15.01.2023
954

مقاصد العقيدة عند الإمام أبي منصور الماتريدي

أ.د/ كمال الدين نور الدين مرجوني

جامعة العلوم الإسلامية الماليزية

مقدمة

قد أشارت إليه في ملخص البحث بأنه لم ينل الحديث عن مقاصد العقيدة اهتماما مثل الحديث عن مقاصد الشريعة، وذلك لأن أحكام الفقهية عملية فحاجتهم لذلك ملحة، علما بأن الوقائع والمستجدات متغيرة ومستمرة وتقتضي اللجوء إلى عملية القياس الفقهي، فقام الفقهاء المعاصرون بالدراسات والبحوث المقاصدية في جميع جوانب الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات، والإقتصاد، والأسرة، والجريمة، والقضاء والشهادة وغيرها.

وهذا بخلاف أحكام العقيدة فإن أحكامها علمية ثابتة التي لا تتغير بتغير الزمن والمكان، ولا بتجدد الحوادث ولا بتقلب الظروف مما أدّى إلى ندرة البحث في المقاصد العقائدية، ومن هنا جاءت فكرة هذا البحث، حيث حاولت في هذا البحث تقريب المقاصد العقائدية عند الإمام أبي منصور الماتريدي من خلال تفسيره الكبير المسمى بـــ “تأويلات القرآن” بالإضافة إلى بعض مؤلفات الماتريدية الكلامية، وأتناوله عبر المباحث الآتية:

المبحث الأول: مفهوم مقاصد العقيدة.

المبحث الثاني: أهمية المقاصد العقائدية عند المدرسة الماتريدية.

المبحث الثالث: مقاصد العقيدة عند الإمام الماتريدي.

 

المبحث الأول

مفهوم مقاصد العقيدة

تعريف المقاصد لغة

المقاصد جمع من “المقصِد” ومشتقة من قصَد يقصِد قصْدا، والقَصْد مصدر، قصد كذا بمعنى تجاه، هدف، ونية، وعمد. جاء في المعجم الوسيط: “الْقَصْد، يُقَال هُوَ على الْقَصْد وعَلى قصد السَّبِيل إِذا كَانَ راشدا، واستقامة الطَّرِيق، يُقَال طَرِيق قصد سهل مُسْتَقِيم، وَالرجل لَيْسَ بالجسيم وَلَا بالنحيف، والتجاه يُقَال: هُوَ قصدك تجاهك. والقليل يُقَال: أعطَاهُ قصدا قَلِيلا وَاللَّحم الْيَابِس”[1]. وورد في لسان العرب وتاج العروس وتهذيب اللغة: “القَصْدُ: استقامَةُ الطَّرِيقِ[2]. وفي هذا أوضح الزجاج في كتابه “معاني القرآنط عن قوله تعالى: وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَىٰكُمْ أَجْمَعِينَ -النحل-9. قائلا: “وعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ” أي على الله تبيين الطريق المستقيم إليه بالحججَ والبراهين[3]. وهكذا في أضواء البيان: “هو الطريق المستقيم القاصد، الذي لا اعوجاج فيه”[4]. وجاء في معجم الكمال للمترادفات معاني (القصْد) و (المقصِد)، إذ أن القصد له ثلاث معاني:

أولا: اتجاه، جهة، وجهة، ناحية.

ثانيا: اعتدال.

ثالثا: همة، عزم، نية، عزيمة. قصد إلى: استهدف، سعى إلى[5].

وأما المقصِد فهو: فحوى، معنى، مغزى، مدلول، محصول، مفاد، مفهوم، مضمون، منحى، وجه[6]. إذن “مقصِد الكلام” يراد به مغزى الكلام ومدلوله ومعناه الخفي.

تعريف المقاصد اصطلاحا

وأما التعريف الإصطلاحي للمقاصد العقائدية باختصار -من وجهة نظرنا- هي “عبارة عن حكم وأسرار للقضايا العقائدية التي وضعت لمصلحة العباد في الدنيا والآخرة”. وهذا التعريف استنتجت من قول الإمام الغزالي في كتابه “المنقذ من الضلال: قد ألقى الله تعالى إلى عباده على لسان رسوله عقيدة أهل الحق، على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم”[7].

وهناك تعريفات كثيرة وقفت عليها من قبل الباحثين المعاصرين المهتمين بهذه القضية، منها: “الأسرار والحكم التي أودعها الله تعالى في عقيدة الإسلام وأمر أولي القلوب والأبصار باعتبارها”[8]. و“الأغراض والأسرار العقدية التي رام الشارع تحقيقها عند كل ركن من أركانها، أو هي المعاني والأهداف الملحوظة للعقيدة في كل أبوابها وأركانها، وفي كل جزء من أجزائها”[9]. و“الغايات المستهدفة والنتائج والفوائد المرجوة من أركان الإيمان جملة، ومن وضع العقائد تفصيلا، أوهي الغايات التي وضعت العقيدة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد”[10]. و“الغاية التي وضعت العقائد من أجل تحقيقها في آية القرآن الكريم، أو النظر إلى الآثار العملية على سلوك المؤمن”[11].

واضح مما سبق من التعاريف لمقاصد العقيدة أنها تدور على: الأسرار والحكم للمسائل الإعتقادية التي لها غاية، ومغزى، ومدلول، وأنها موضوعة لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة، سواء من حيث جلب المنفعة أو درء المفاسد.

المبحث الثاني

أهمية المقاصد العقائدية عند المدرسة الماتريدية

يظهر اهتمام المدرسة الماتريدية في إبراز مقاصد العقيدة الإسلامية من خلال مؤلفاتهم الكلامية، بل وضع الإمام سعد الدين التفتازاني (تـــــ792هــ) عنوان كتابه “شرح المقاصد” وهو أحد كتب التراث الماتريدية التي تفخر بها المكتبة العربية والإسلامية، لأنه الحصيلة المعرفية للمدرسة الماتريدية. وقد فرغ من تأليف الكتاب بسمرقند قبل تسع سنوات من وفاته، وبالتحديد في ذي القعدة سنة 783هــ. 

ومصطلح المقاصد لم يكن موجودا في عصر الإمام أبي منصور الماتريدي (333هـ)، حيث لم يعرف المصطلح إلا بعد ميلاد النظرية في القرن الخامس الهجري[12]. ومن هذا المنطلق، فيمكنني القول بأنه لعل الإمام أبو منصور الماتريدي بوضع عنوان تفسيره (تأويلات القرآن) يهدف أساسا إلى (مقاصد القرآن)، حيث تحدّث في مقدمة تفسيره عن الفرق بين التفسير والتأويل، فيرى بأن التفسير هو حقيقة المراد، وأما التأويل فهو بيان منتهى الأمر ... فهو توجيه الكلام إلى ما هو متوجه إليه[13]. وقوله (بيان منتهى الأمر) إشارة إلى المقاصد، حيث ورد في المعجم الوسيط (الصير) بمعنى: منتهى الأمر وغايته[14]. وفي معجم اللغة العربية المعاصر (منتهى) يعنى: غاية ونهاية، عند منتهى الطريق- (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) النجم:-14 جعلها الله النهاية في محلّ القُرب والكرامة، ويقال شجرة نَبْقٍ عن يمين الجنّة. (في منتهى الوضوح) في غاية الوضوح، مُنتهَى أملِه: غايته العظمى، أسمى أمانيه[15]. إذن، (منتهى) يعني الغاية والمقصد والنهاية للأمر. 

وقد وجدنا كثيرا من الأقوال التي تشير إلى الفهم المقاصدي للعقيدة الإسلامية عند الإمام أبي منصور الماتريدي، وعلى سبيل المثال في تعليقه للآية: ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ -المنافقون: 3- “وعندنا أن الفقه هو معرفة الشيء بمعناه الدال على غيره، كان ذلك نظيرا له أو لم يكن؛ لأن من عرف الخلق بمعناهم دله ذلك على معرفة الصانع، ومن عرف الدنيا دله ذلك على معرفة الآخرة، وليسا بنظيرين. ثم بين الفقه والعلم فصل من وجه، وإن كانا جميعا في الحقيقة يرجعان إلى معنى واحد؛ لأن العلم إنما يجلي الشيء له، وظهوره بنفسه، والفقه يعرف بغيره استدلالا؛ ولذلك جاز أن يقال: اللَّه تعالى عالم؛ لتجلي الأشياء له، ولم يجز أن يقال: إن الله فقيه؛ لأنه لا يعرف الأشياء بالاستدلال، واللَّه الموفق”[16].

وعلى صعيد آخر، فقد علَّل الإمام سعد الدين التفتازاني أهداف مقاصد العقيدة الذي عبّره في كتابه بــ “مقاصد الكلام” بأنه ليس في العلوم الإسلامية ما هو أليق ببيانه من مبحث الإلهيات، والكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية ... وغايته تحلية الإيمان بالإيقان، ومنفعته الفوز بنظام المعاش ونجاة المعاد ... وغاية الكلام أن يصير الإيمان، والتصديق بالأحكام الشـرعية، متيقناً، محكوماً، لا تزلزله شبه المبطلين. ومنفعته في الدنيا: انتظام أمر المعاش، بالمحافظة على العدل، والمعاملة التي يحتاج إليها في بقاء النوع على وجه لا يؤدي إلى الفساد، وفي الآخرة: النجاة من العذاب المترتب على الكفر، وسوء الاعتقاد[17].

وعلى هذا التعليل يظهر من هذه الأهداف السامية لمقاصد العقيدة كما قررها الإمام سعد الدين التفتازاني بأنها تقَوِّي الإيمانَ وتوَفِّر المنافعَ في الدنيا من الرضا، والطمأنينة القلبية، وإقامة العدل الذي يؤدي إلى حصول الخير والبركة، والشعور بالإستقرار في البلاد بين الحكومة وبين أفراد الشعب والمجتمع، فيحصل الوئام بين الحاكم والمحكوم، والقضاء على المشاكل الإجتماعية. وفي الآخرة الفوز بالجنة والنجاة من النار.

وقد بين الإمام أبو منصور الماتريدي بأن المقاصد العامة للعقيدة الإسلامية هي حصول الهداية والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، حيث قال الله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ -البقرة: ١-٥-. وقوله: (وأولئك هم المفلحون) يعني “الباقون في نعم الله، والظافرون بحاجاتهم، وهم السعداء، والناجون”[18]. وأكد هذا المعنى الإمام الملا علي القاري: “أى الناجون الفائزون الواصلون الكاملون في العقبى”[19]. والعقبى: الآخرة أو المرجع إلى الله، وآخر كل شيء، أو خاتمته، وجزاء الأمر والبدل[20].

وقد أرسى الإمام أبو منصور الماتريدي أهمية النطر العقلي في قراءة العقيدة وتفعيل مقاصدها قائلا في كتاب التوحيد: “والنظر يدل على الحقائق ويوصل به إليها”[21]. ومستدلا بقوله تعالى: أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ. وإلى الجبال كَيْفَ صِبَتْ. وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ -الغاشية: 17-20-. أي: لو نظروا في هذه الأشياء لكان نظرهم فيها وتفكرهم بها ينزع عنهم الإشكال، ويوضح لهم ما اشتبه عليهم، وفي خلق هذه الأشياء ما يدعوهم إلى الوحدانية؛ لأن اللَّه تعالى جعل منافع الأرض متصلة بمنافع السماء؛ فالقطر ينزل من السماء إلى الأرض الغبراء المتهشمة؛ فينبت لهم من ألوان النبات رزقا لهم ولأنعامهم، فلو كان مدبر السماء غير مدبر الأرض، لكان يمنع منافع السماء عن خلق مدبر الأرض، فلو تفكروا فيها، لكان يزول عنهم الإشكال؛ فلا يدعون مع اللَّه إلها آخر”[22]. وقوله تعالى: وَفِىٓ أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ -الذاريات: أي: وفي أنفسكم - أيضًا - آيات (أَفَلَا تُبْصِرُونَ) أي: آيات الوحدانية والربوبية، وآيات البعث، وآية وجوب الشكر والعبادة والامتحان. أما آيات الربوبية، فهي أن اللَّه تعالى أنشأ هذا البشر من نطفة، ثم قلب تلك النطفة علقة، ثم العلقة مضغة ثم المضغة عظاما ولحما، ثم ركب فيها الجوارح في ظلمات ثلاث، ما رأى المصالح له في الإستواء والصحة، سليمة عن الآفات، غير متفاوتة، فدل أنه فعل واحد، لا عدد، وأن له القدرة الذاتية والعلم الذاتي لا المستفاد، وأن ما قلبهم من حال إلى حال، وما ركب فيهم من الجوارح التي بها يقبضون، وبها يأخذون، وبها يدفعون ويسلمون، وبها يبصرون ويسمعون، وبها يمشون، لم يفعل بهم؛ ليتركهم سدى ويهملهم ولا يمتحنهم، ولا يأمرهم، ولا ينهاهم، وأنه حيث سخر جميع الخلائق من السماء والأرض وما بينهما ما سخر إلا ليمتحنهم، وليستأدي منهم شكر ذلك كله”[23].

ومن هذا المنطلق، يرى الإمام أبو منصور الماتريدي أن علم المقاصد العقائدية يتوقف على استقراء نصوص الآيات القرآنية، وقراءتها قراءة متأنية أى متفحصة (Scanning)، وليست قراءة عابرة (Skimming)، والغوص حول المعاني الخفية بالتأمل والبحث العميق، وهذا التأمل يؤدي في النهاية إلى مقاصد العقيدة التي عبر عنها بمصطلح (لب التوحيد)[24]، ونص قوله: “ومعلوم أن الآيات إنما احتيج إليها لمعرفة أمور غابت عن الحواس، يوصل إليها بالتأمل والبحث عن الوجوه التي لها جعلت تلك الأشياء المحسوسة، التي يغني من له اللب دخولها تحت الحواس - عن تكلف العلم بها بالتدبير، بل علم الحواس هو علم الضرورات وأوائل علوم البشر الذي منه يرتقي إلى درجات العلوم؛ فيلزم طلب ذلك؛ فيبطل به قول من قال: العلوم كلها ضرورات لا تقع بالأسباب، ولا يلزم الخطاب دون تولى الرب إنشاءَ العلم في القلوب بحقيقه ما فيه الخطاب؛ إذ ذلك يرفع حق الطلب، ويستوفي فيه الموصوف باللبِّ وغير الموصوف، والمتفكر في الأمر وغير المتفكر، وقد قال اللَّه: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (آل عمران: 191)، وفي ذلك دليل أن المقصود مما أظهر ليس هو ما أظهر، إذ لزم التفكر بالذي أظهر؛ ليوصل به إلى العلم بالذي له أنشأ الذي أظهر، ويعلم ما جعل في الذي دليله وعلمه، وهذا لكل أنواع العلوم أن منها ظاهرًا مستغنيا بظهوره عن الطلب، وخفيًّا يطلب بما له في الذي ظهر من أثر ينبئ عنه التأمل. وفي ذلك دليل لزوم التوحيد باللبِّ؛ إذ صيرها آيات لمن له ذلك، وأوَّل درجات الآيات أن يُعَرف منشئها وجاعلها آيات”[25]. وذلك في رأيه أن “إهمال كل ذي لبٍّ -لا يؤمر ولا ينهى- خروج عن الحكمة”[26].

المبحث الثالث

مقاصد العقيدة عند الإمام الماتريدي

إن العقيدة الإسلامية هي عبارة عن مجموعة من الأصول والمبادئ الإيمانية الإسلامية المعروفة بأركان الإيمان الستة، وهي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر خيره وشره، يقول الله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِ (البقرة: 285). وأوضح الإمام أبو منصور الماتريدي بأن هذه الآية جمعت جميع شرائط الإيمان، لذلك قلنا: إن الإيمان بالقرآن إيمان بجيمع الكتب، والأنبياء، والبعث، وغيره[27]. وهذه المجموعة الإيمانية الستة أيضا ذكرها النبي: “أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره” (صحيح مسلم، رقم: 9). 

وقد قام علماء الكلام من أهل السنة (الأشعرية والماتريدية)، والمعتزلة، والإباضية وغيرهم بشرح الأركان الإيمانية الستة بتقسيم مباحث العقيدة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام: الإلهيات، والنبوات، والسمعيات.

وهذا التقسيم بينه الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره قائلا: “إن المقصود من كل القرآن تقرير التوحيد والنبوّة والمعاد”[28].

وهذ النص يدل على أهمية مقاصد العقيدة التي هي العمدة في نصوص القرآن، وأن القرآن العظيم لم ينزل إلا لتقرير مقصد الإلهيات، النبوات، والمعاد. وإذا كان الأمر هكذا، فالحديث عن مقاصد العقيدة تحتاج كذلك إلى هذا التقسيم الثلاثي.

أولا: مقصد الإلهيات “إثبات الوحدانية والعبادة لله تعالى وحده”.

ومرتكز مقاصد العقيدة في الإلهيات هو “إثبات وحدانية الله تعالى” ويعني به حفظ التوحيد، ولا يعبده غيره، لأنه المستحق للعبادة[29]، وإثباتا لذلك المقصد، فسر الإمام أبو منصور الماتريدي الآيات الآتية: قوله تعالى: أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ -هود: 2- وقوله تعالى: إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى (طه: 14). وقوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56). فهذه الآيات -كما يرى الإمام أبو منصور الماتريدي- تشير إلى مقصد الإلهيات وهو الإقرار بالوحدانية والعبادة لله وحده، حيث يقول: “إن المراد منه الأمر بالعبادة، أي: ما خلقتهم إلا لآمرهم بالعبادة والتوحيد”[30]. وقوله تعالى: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ -الأعراف: 59- “أي: وحدوا اللَّه، سموا التوحيد عبادة لأن العبادة، لا تكون ولا تصح إلا بالتوحيد فيها لله خالصا”[31]. وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 21). “وقوله: (اعْبُدُوا): وحدوا ربَّكم. جعل العبادة عبارةً عن التوحيد؛ لأَن العبادة التي هي لله لا تكون ولا تخلص له إلا بالتوحيد. ويقال: (اعْبُدُوا)؛ أي: أَطيعوا له؛ أي: اجعلوا عبادتكم لله، لا تعبدوا غيره”[32]. “وأما أهل التوحيد فإنهم لا يرون العبادة لغير اللَّه[33]. “ما لم يأت بالتوحيد لم يقبل منه شيء من العبادات”[34]. “وأهل التوحيد سلموا الأمر إلى اللَّه تعالى، وفوضوا العلم إليه في كل ما جاء عنه - جل وعز - وإن لم يتداركوا ما فيه من الحكمة بعقولهم؛ لوجودهم أشياء هي خارجة أن يتداركوها بعقولهم، ويقفوا عليها بعلومهم”[35].

وبهذه النصوص تظهر أن العبادة تابع للتوحيد، لأن التوحيد هو الأصل والأساس لهذا الدِين، وذلك أن أول ما يجب على الإنسان هو الإيمان بالله تعالى، وهو جوهر العقيدة الإسلامية ومشتمل على الدين كله. حيث إن جميع الأفعال أى أعمال المكلفين، وأقوالِهم الظاهرة والباطنة قَبُولُها متوقفٌ على إثبات وحدانية الله تعالى. فلا يعتبر المسلم مسلما إلا إذا آمن بالله، فالله تعالى هو الأحد الذي تفرد بكل كمال، وأنه يريك النقص في الإنسان حتى ترى الكمال فيه وحده، ولذلك لا يطلب الله الكمال من عباده، ولكنه يطلب منه فعل الخير، وتقديم النفع لنفسه ولغيره. كما قال رسول الله: “خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ” (معجم الطبراني، رقم: 5787). “خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ” (الأدب المفرد، البخاري، رقم: 115).

وكلما ازداد العبد معرفة الله سبحانه وتعالى، ازداد إيمانه وقوي يقينه في القلب، حتى وصل إلى درجة الإحسان وهو أعلى الدرجات التي قد يصلها الإنسان في عبادته لله تعالى. وكان الإحسان أحد الأسئلة الأربعة التي طرحها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم - غير الإيمان، والإسلام، وموعد القيامة- حيث أتى ليعلم الناس دينهم: ما الإحسان؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” -صحيح البخاري، رقم: 4777-. وفي هذا يقول الإمام الملا علي القاري في تفسير قوله تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًۢا بَعِيدًا 
(النساء: 136). “أى دوموا على الإيمان وأثبتوا على الإيقان لتصلوا مقام الإحسان والعرفان”[36].

وقد تحدَّث القرآن الكريم عن وصف الله تعالى بصفات الكمال المطلق الذي لا نقص فيها بوجه من الوجوه، ومِن أظهر الآیات الدالة علی صفات الکمال لله هی آية الكرسي. قال الله تعالى: ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُۥ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذْنِهِۦ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍۢ مِّنْ عِلْمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ ۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ (البقرة: 255). يقول الإمام أبو منصور الماتريدي: “وقوله تعالى: (اللَّه) هو اسم المعبود، وكذلك تسمي العرب، كل معبود إلها ومعناه -واللَّه أعلم- أن الذي يستحق العبادة ويحق أن يعبد هو اللَّه الذي لا إلا إلا هو، لا الذي تعبدونه أنتم من الأوثان والأصنام التي لا تنفعكم عبادتكم إياها ولا يضركم ترككم العبادة لها”[37].

وتُعدُّ هذه الآية أعظم آية في القرآن الكريم وسيدة الكتاب العظيم، وذلك عن اشتمالها على اسم الله الأعظم (الله لا إله إلا هو الحى القيوم)، واشتمالها على كل ما يتعلق بالذات الإلهية من حيث كمال ذاته، وعلمه، وقدرته، وعظيم سلطانه على جميع مخلوقاته. وأنه لا يغفل عن شيء في السماوات والأرض، وبالنظر -في عصرنا اليوم- إلى بيوت المسلمين ومساكنهم في كل مكان يتضح أنه لا يكاد يخلو بيت من البيوت نجد فيه الخط المعلق بسورة الكرسي على جدران البيت، بل معلق كذلك في مكاتب العمل وداخل السيارات طمعًا في نزول البركات والخيرات من وراء هذه الآية الكريمة. 

 وهذا إن دل علی شيء فإنما یدل علی أن آیة الکرسی تضم معظم مقاصد العقیدة الجلیلة، لأنها جمعت أحكام الإعتقاد أو التوحید. وذلك لما اشتملت عليه من الأمور العقائدية العظيمة ما لم تجمعه آية أخرى. فلهذا كثرت الأحاديث النبوية في الترغيب أو الحث على قراءتها، وجعلها وردا خاصا للإنسان (صباحا ومساء) في الوقاية من السحر والجن والشيطان، بل كرَّر قرائتها قبل النوم وأدبار الصلوات الخمسة المفروضة.

والسؤال الذي يطرح بنفسه، كيف نثبت هذا المقصد في الإلهيات؟

يرى الإمام أبو منصور الماتريدي بضرورة تنزيه الله تعالى عن الأنداد والأشباه، وعما لا يجوز عليه، يقول في (كتاب التوحيد): “وإذا ثبت القول بوحدانية الله تعالى والألوهية له، لزم القول بتعاليه عن الأشباه والأضداد، إذ في إثبات الضد نفى إلهيته، وفي التشابه نفى وحدانيته، والله واحد لا شبيه له، دائم قائم لا ضد له ولا ند، وهذا تأويل قوله: ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ( -الشورى: 11-[38]. إذن، فالآية تدل التنزيه بنفي المثيل والنظير لله، لا في أسمائه، ولا في أوصافه، ولا في أفعاله.

وفي صدد الحديث عن مقاصد العقيدة في الإلهيات، يبين الإمام أبو المعين النسفي (تــ 508هــ) بأن الطريق في إثباتها تكون بالمعرفة، والتوحيد، والإيمان، والدين. وأما المعرفة: فأن تعرف الله بالوحدانية. وأما التوحيد:  فأن تنفي عنه الشريك والأمثال والأضداد. وأما الإيمان: فالإقرار باللسان، والتصديق بالقلب بوحدانية الله تعالى. وأما الإسلام: فأن تعبد الله بالوحدانية. وأما الدين: فالثبات على هذه الخصال الأربع إلى الموت. قال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران: 85)[39]. والمعرفة هنا يقصد بها ما يراه الإمام أبو منصور الماتريدي في الباب الخامس من (كتاب التوحيد) بعنوان: مسألة الإيمان، تصديق أم معرفة؟ بأن المعرفة هي سبب يبعث على التصديق، كما قد تبعث الجهالة على التكذيب ربما. وعلى هذا قول من يقول: الإيمان معرفة، إنما هو التصديق عند المعرفة، هي التي تبعث عليه[40].

وفي موضع آخر بين صاحب كتاب (أنوار القرآن وأسرار الفرقان) بأن الله قد اختص من بين سور القرآن سورة عظيمة تشتمل على عقيدة التوحيد بمراتبها الثلاث وهي سورة الإخلاص التي سمّيت بأسماء أخرى منها سورة التوحيد، وسورة الإيمان، يقول الله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (الإخلاص:1-4). قوله (قل هو الله أحد) جواب لما قال المشركون: صف لنا ربك الذي تدعونا إليه[41]. وسيمت بسورة الإخلاص لأنها على حدِّ قول الإمام أبي منصور الماتريدي: “إنها في إخلاص التوحيد لله، ونفي الأشباه والشركاء في الألوهية والربوبية، وأن كل شيء سواه مربوبه وملوك له”[42]. وقد فصَّل الإمام أبو المعين النسفي مقصِد وبيان هذه السورة قائلا: “(هو) إشارة إلى الموجود، ونقض على المعطلة والباطنية، (أحد) إيبات وحدته، ونقض على المشركين والثنوية، (الله الصمد) نقض على المشبهة، (لم يلد ولم يولد) نقض على اليهود والنصارى، (ولم يكن له كفوا أحد) نقض على المجوس بقولهم (يزدان وأهرمن) كما قال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)” [43].

وقد استطرد الإمام أبو منصور الماتريدي في إثبات مقصد الإلهيات ببيان أن القرآن ذكر انفراد الله تعالى بالوحدانية، ونفى عن تعدد الآلهة أى استحالة أن يكون هناك من يشارك الله في ألوهيته، قوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ (الأنبياء: 21). فسأل القرآن هؤلاء المشركون: “كيف اتخذوا آلهة لا يخلقون؟ وإنما يعرف الإله بالخلق وبآثار تكون في الخلق. فإذا لم يكون من هؤلاء خلق كيف اتخذوها آلهة؟ ثم قال: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (الأنبياء: 21-22)، إذ لو كان لعدد لكان يختلف الأمر في كل عام، ولم يتسق على سنن واحد، ولا جرى على أمر واحد[44].

وقد شارك عدد من علماء الماتريدية في تفسير تلك الآية، يقول الإمام الملا علي القاري (تــ 1014هــ): “والمعنى: لو كان مدبرا أمر السماء والأرض آلهة شتى غير الواحد الذي فطرهما لخربتا وخرجتا عن نظامهما[45]. ويحللها الإمام الكمال ابن همام (تــ 861هــ): “لو كان اثنين وأراد أحدهما أمرا، فالثاني إن كان مضطرا إلى مساعدته، كان هذا الثاني مقهورا عاجزا، ولم يكن آلها قادرا، وإن كان الثاني قادرا على مخالفته ومدافعته، كان الثاني قويا قاهرا والأول ضعيفا قاصرا، فلم يكن آلها قاهرا”[46].

فهنا جاءت الآية لتقنع عقول الناس بأن الله واحد لا ثاني له، وبأنه يستحيل عقلا أن يكون تدبير هذا الكون بيد أكثر من إله.

وبهذا الإعتبار، فإن القرآن -كما بينه الإمام أبو منصور الماتريدي- ذكر المقصِد من انتفاء تعدد الآلهة، وهو أن وجودها يؤدي إلى فساد السماء والأرض فهكذا شأن المشركين كانوا يعترفون بأن الذي خلق السماوات والأرض، وما سخر لهم من الشمس والقمر، وما نزل من السماء من الماء، وما أحيا به الأرض هو اللَّه لا غيره، ومع هذا يعبدون معه غيره [47].

وقد نقل الإمام سعد الدين التفتازاني كلام الإمام أبي منصور الماتريدي حين سئل عن الله: “قال الشيخ أبو منصور رحمه الله: إن سألنا سائل عن الله تعالى، ما هو؟ قلنا: إن أردت ما اسمه؟ فالله الرحمن الرحيم. وإن أردت ما صفته؟ فسميع بصير، وإن أردت ما فعله؟ فخلق المخلوقات ووضع كل شيء موضعه، وإن أردت ما ماهيته؟ فهو متعال عن المثال والجنس”[48].

وقد أوضح الإمام أبو منصور الماتريدي بأن أساس الإيمان هو التصديق بالقلب دون الإقرار باللسان أو العمل بالجوارح، وذلك لأن موضع الإيمان يكون في القلب[49]. وفي هذا السياق، يناقش الإمام أبو منصور الماتريدي القائلين من الفرق الكلامية أَنَّ الإيمانَ هو التصديق بالقلب، والإقرار باللسان والعمل بالجوارح[50]. -كما ذهب إليه أصحاب الحديث، والمعتزلة والخوارج والحشوية-، فاستبعد الإمام أبو منصور الماتريدي الجانب العملي من الإيمان مستدلا بقوله تعالى: يَأَيُّهَا الّذِيْنَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُوْنَ مَا لاَ تَفْعَلُوْنَ (الصف: 2)، وقوله تعالى: يَأَيُّهَا الّذِيْنَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ إِثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الاَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الاَخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ -التوبة: 38، وقوله تعالى: وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِيْنَ يَقُولُوْنَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً (النساء: 75)، فعاتب المؤمنين على صنيعهم، ولم يَزُلْ عنهم اسم الإيمان، بل أبقى لهم هذا اللقب، فبطل قول مَنْ يقول: الإيمان اسم لجميع الطاعات، وثبت أن التسمية تقتصر على تصديق القلب وحده[51]. وبالإضافة إلى قوله تعالى: ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ (البقرة: 3). فالآية تنقض قول من يقول بأن جميع الطاعات إيمان، لأنه أثبت لهم اسم الإيمان دون إقامة الصلاة[52].

وكلما ازداد العبد معرفة الله سبحانه وتعالى، ازداد إيمانه وقوي يقينه في القلب، حتى وصل إلى درجة الإحسان وهو أعلى الدرجات التي قد يصلها الإنسان في عبادته لله تعالى. وكان الإحسان أحد الأسئلة الأربعة التي طرحها جبريل على النبي -غير الإيمان، والإسلام، وموعد القيامة- حيث أتى ليعلم الناس دينهم: ما الإحسان؟ قال النبي: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” -صحيح البخاري، رقم: 4777-. وفي هذا يقول الإمام الملا علي القاري في تفسير قوله تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًۢا بَعِيدًا 
(النساء: 136). “أى دوموا على الإيمان وأثبتوا على الإيقان لتصلوا مقام الإحسان والعرفان”[53].

وبهذا تظهر أهمية حفظ الدين وهو حفظ التوحيد الذي أساسه ومقصده إثبات الوحدانية والعبادة لله تعالى: إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلاَمِ (آل عمران: 19). يقول الإمام أبو منصور الماتريدي في تفسيره: “أخبر أن الدين الذي أمر به وفيه التوحيد هو دين الإسلام، لا غيره، ألا ترى أنه قال: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا (آل عمران: 67). أخبر، أن إبراهيم -عليه السلام- ليس على دين سوى دين الإسلام، والإسلام هو الإخلاص”[54]. وفي ذلك ورد عن أنس أنَّ النَّبي كان يُكثر من الدُّعاء بالثَّبات على التوحيد، حيث قال: “يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك”. فقلت: يا رسول الله! آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: “نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء” (سنن الترمذي، رقم: 2290). وإثبات التوحيد يتم عند الإمام أبي منصور الماتريدي من خلال تعريفه للإيمان بأنه التصديق بالقلب. 

ومن هذا المنطلق، إذا حصل التعارض المقاصدي بين مقصد حفظ التوحيد وحفظ النفس، ففي هذه الحالة يجب التقديم لمقصد حفظ التوحيد على مقصد حقظ النفس، لأن التوحيد يُعدُّ أكبر مقاصد الدين الإسلامي وأرقاه، وهو مقصدًا لجميع التكاليف أصولها وفروعها، إذ أن أصول العبادات راجعة إلى حفظ التوحيد، فالتوحيد أصل للمقاصد كلها، فإذا ذهب التوحيد ذهبت الدنيا بأسرها، وفي ذلك يفسر الإمام أبو منصور الماتريدي قوله تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ -المؤمنون: 71-. “ قال عامة أهل التأويل: الحق هاهنا هو اللَّه، أى: لو اتبع اللَّه أهواءهم في كفرهم وشركهم (لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)، وتأويل هذا أن الكفر والشرك مما لا عاقبة له، وكل شيء لا عاقبة له فهو في الحكمة والعقل فاسد باطل غير مستحسن ... قوله: (بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، أي: لو اتبع ذلك الحق أهواءهم، وجاء على ما هوته أنفسهم، واشتهت من عبادة غير اللَّه، وتسميتهم إياها آلهة، وإنكارهم البعث والتوحيد، وغير ذلك من الأفعال التي كانوا اختاروها وعملوها (لفسدت السماوات والأرض)”[55].

وبناء على ذلك، عندما يموت المسلم فيتعرض لأسئلة في قبره عن مقصد الإلهيات وهو كلمة التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (إبراهيم: 27). يقول الإمام أبو منصور الماتريدي في تفسير هذه الآية: “يشبه أن يكون هذا صلة قوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً (إبراهيم: 24) ... الكلمة الطيبة هي التوحيد والإيمان، يكون القول الثابت هو الإيمان، يثبتهم في الحياة الدنيا، باختيارهم، وفي الآخرة، قيل: في قبورهم يثتبهم لإجابة منكر ونكير، ويمكن لهم ذلك[56].

وأحاديث الرسول تبين أن تلك الآية تزلت في عذاب القبر، عن البراء بن عازب، قال النبي: “نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربى الله ونبيى محمد”. (صحيح مسلم، رقم: 7398). وفي رواية عن البراء بن عازب، قال النبي: “قال في القبر: إذا قيل له من ربك؟، وما دينك؟، ومن نبيك؟” (سنن الترمذي، رقم: 3045). ورواية أخرى عن أبي قتادة، قال النبي: “إن المؤمن إذا مات أجلس في قبرة، فيقال له: من ربك؟ فيقول الله ربي. فيقال له من نبيك؟ فيقول: محمد بن عبد الله، فيردد عليه ثلاث مرات” (المعجم الأوسط، الطبراني، 
رقم: 1347). 

ومن الملاحظ في تلك الأحاديث النبوية عدم السؤال عن جزئيات آيات الصفات الإلهية وتفاصيلها الدقيقة، وذلك لأنها من المسائل الفروعية في العقيدة الإسلامية، فالله يسأل فقط عباده عن المقصد الأساسي في الإلهيات وهو إثبات وحدانيته، وذلك بالسؤال (من ربك؟). 

وبالنهاية، فإن الإنسان الُمقِرَّ بمقصِد الإلهيات -وهو إثبات وحدانية الله تعالى- أى التوحيد يترتب عليه من أمور:

- لا يجوز تكفيره بذنب فعله، يقول الرسول: “ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل” (سنن أبي داود، رقم: 2170). 

- النجاة من عذاب القبر، يقول الرسول: “إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه” (سنن الترمذي، رقم: 2578-. سنن ابن ماجه، رقم: 4408). 

- يضمنه بالحصول على شفاعة النبي: “أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه” (صحيح البخاري، رقم: 9).

- عدم الخلود في النار لمرتكب الكبائر، يقول الرسول: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير) (صحيح البخاري، رقم: 44. وصحيح مسلم، رقم: 499).

ومما سبق، نستطيع القول بأن تفعيل مقاصد العقيدة في الإلهيات وهي إثبات وحدانية الله تُعدُّ الرابطة الوحيدة القادرة على جمع الكلمة، ووحدة الصف بين المسلمين. وليس الخوض في المسائل الكلامية الخلافية في الإلهيات، مثل الجدل الكلامي في الصفات الإلهية، هل هي زائدة على الذات أم لا؟. وصفات الله تعالى بين التأويل والتفويض والأخذ بظواهرها، وخلق القرآن وغيرها من القضايا الفرعية للعقيدة والتي لا تمس مقاصد العقيدة لا من قريب ولا من بعيد، ولم يكلفنا الله به أساسا، وإنما كلفنا الله بإثبات وحدانيته وهو المقصد الجليل العظيم أولا وأخيرا في الإلهيات. ولهذا الخلاف الدائم أثر سيء على وحدة الأمة الإسلامية، حيث أدَّى إلى التضليل، والتبديع، والتفسيق، والتكفير. فكل فرقة تشنع على الأخرى ما ذهبت إليه، وتصدر أحكاما عامة على مجمل الفرق الإسلامية، فأهل الحديث وصفوا أهل التأويل من المعتزلة والأشعرية والماتريدية بالمعطلة والنافين لصفات الله، بينما أهل التأويل وصفوا أهل الحديث المثبتين للصفات -أي من غير تأويل- بالمشبهة والمجسمة. بل تعرَّض علماء الأمة للفتنة، وملاحقة سياسية، واضطهاد بشكل واسع.

ثانيا: مقصد النبوات “إثبات الرسل وعالمية الرسالة وخاتميتها”.

وأما مرتكز مقاصد العقيدة في النبوات فهو “إثبات الرسل وعالمية الرسالة وخاتميتها”، والإيمان بالرسل أحد أركان الإيمان الستة، فلا يصلح إيمان العبد إلا به. حيث قرن الله تعالى الكفر بالرسل بالكفر به، ويحدثنا ذلك الإمام أبو منصور الماتريدي في تفسير قوله: وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًۢا بَعِيدًا (النساء: 136). “لأن الكفر بواحد كفر بالكل، حتى لو أنكر آيةً من آيات الله تعالى كفر بالله وبالكتب والرسل كلها”[57]. وقوله: وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّه (النساء: 64). “تأويله أنه ما أرسل رسولا في الأمم السالفة إلا ليطيعوه، فكيف تركتم أنتم طاعة الرسول الذي أرسل إليكم؟[58]. وفي هذا يؤكد الإمام أبو المعين النسفي بأن من أنكر الصانع فهو منكر للرسالة، إذ القول بالرسول ولا مرسل محالا[59].

وإثبات الرسالة من مقاصد النبوات، لأن دعوة الانبياء عليهم السلام رسالتهم واحدة هي التوحيد، قوله تعالى: وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيْهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدُونِ (الأنبياء: 25). وقوله تعالى: وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ -هود: 84-. وقوله تعالى: وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ -الأعراف: 65-. لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ (الأعراف: 59). وقوله تعالى: فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ (المؤمنون: 32). يقول الإمام أبو منصور الماتريدي: “جميع الأنبياء والرسل إنما بعثوا بالدعاء إلى توحيد اللَّه، وجعل العبادة له”[60].

فقد أرسل الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم لينقل الناس من الظلمات إلى النور، ويخرجهم من الضلالة إلى الهداية، وليخبرهم بأحكام الدين، قوله: الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (إبراهيم: 1). ومن هذا المنطلق، يحلل الإمام أبو منصور الماتريدي أن قوله تعالى (لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) يعني من الكفر إلى الإيمان أي: من الشبهات إلى النور؛ أي: إلى الإيمان والهدى. والإخراج المضاف إلى اللَّه، وأن الهداية تخرج على وجوه أربعة: أحدها: يأمر ويدعوهم إلى ما ذكر. والثاني: يكشف ويبين. والثالث: يرغب ويرهب، حتى يرغبوا في المرغوب ويحذروا المرهوب. والرابع: تحقيق ما يكون به الهداية، وذلك لا يكون إلا باللَّه؛ وهو التوفيق والعصمة، وأما الوجوه الثلاثة الأُولى فإنها تكون برسول اللَّه؛ يأمر ويدعو؛ ويرغب ويرهّب؛ وببين ويكَشف. واللَّه أعلم”[61].

ويستطرد الإمام أبو منصور الماتريدي في الحديث عن كيفية إثبات مقاصد النبوات مفصلا في (كتاب التوحيد) وبخاصة نبوة نبينا محمد بأنها تكون بالطرق الآتية:

أولا: تثبت بالجوهر -أى بذات النبي وشخصه-، حيث لم يؤخذ عليه كذب قط، ولا عرفت منه هفوة، ولا منه عن أعدائه فرار، ولا في أخلاق سوء، بل كان على ما وصف لا يدارى ولا يمارى، ولا يعرف منه فحش، ولا ينتصر لنفسه.

ثانيا: ثم بآيات حسية مثل انشقاق القمر، واجتذاب الشجر، وتسليم الحجر عليه، ثم شربهم من الماء القليل الكثير من البشر، ثم ابتلاء أعدائه بدعائه بالجدب والقحط، ثم استغاثوا به فأغيثوا، ثم الإشباع باليسير من الطعام الكثير من الخلق، وغيره.

ثالثا: وعقلية، بين الله من شأن القرآن، الذي إنما يعرف خروجه عن احتمال وسع الخلق من بالغ في فنون الآداب وعرف جواهر الكلام وأصنافه، ثم ما فيه من المحاجة في توحيد الرب وأدلة البعث مما لم يكن يومئذ على وجه الأرض من يدعي ذلك، ثم ما فيه من الأنباء ما يكون أبدا، ومن بيان النوازل التي تكون مما ليس في استعمال العقول تطلع عليه.

رابعا: ثم بموافقة الأحوال التي هي أحوال الحاجة إليه. منها أنه نشأ في قوم لم يكن لهم كتب ولا دراسة مع مالم يفارق قومه، ولا كان لهم كتب قد سبق له الإرتياض في دراستها. وأيضا التأييد الذي يظهر دعوته وبه تفلح حجته بما ينصره على من شاقّه وحادّه وغيره[62].

وفي موضع آخر يوضح الإمام أبو المعين النسفي كيفية إثبات هذا المقصِد العقدي في النبوات بأنه يكون بالنظر اليقين إلى معجزات الرسل الناقضات للعادة، كقلب العصا حية، وتفجير عيون الماء من الصخرة الصماء، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وغير ذلك من الآيات للرسالة، ورسالة النبي إمتداد للرسالات قبله، وكان مجيئه موافقا وقت الحاجة إليه[63]. وكانت معجزة النبي العظمى هي القرآن الكريم، فهو الحجة القائمة في زمانه وبعده، والمستمرة  والباقية للأبد أى إلى يوم القيامة[64].

وهذا المقصِد -أى إثبات الرسل وعالمية الرسالة وخاتميتها- في سياقه يمنع أي ادعاءات للنبوة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه هو آخر الأنبياء والرسل، أى نهاية النبوات التي كانت قبل محمد، وذلك استنادا لقول الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (الأحزاب: 40) يقول الإمام أبو منصور الماتريدي تفسير الآية: “أى ختم به الرسالة لا نبي بعده ... روي أن رسول الله قال: (لا نبي بعدي)[65]. أى أخبر أنه ختم به النبوة”[66]. وعلى هذا أكد الإمام الكمال بن همام بأن نشهد بأن محمدا رسول الله أرسله إلى الخلق أجمعين، خاتما للنبيين، وناسخا لما قبله من الشرائع[67].

وقد روي ابن كعب عن أبيه عن النبي قال: “مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها وترك فيها موضع لبنة لم يضعها. فجعل الناس يطوفون بالبنيان، ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة” (مسند أحمد، رقم: 20291). وحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: “إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين” (صحيح البخاري، رقم: 3271). وعن أنس بن مالك، قال رسول الله: (إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدى ولا نبى. قال: فشق ذلك على الناس. فقال: “لكن المبشرات”. قالوا: يا رسول الله. وما المبشرات؟ قال: “رؤيا المسلم وهى جزء من أجزاء النبوة” (سنن الترمذي، رقم: 2441). وهكذا بين لنا رسول الله أن النبوة انقطعت بنبوته، وأنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤية الصالحة. 

وعلى الرغم من وضوح عبارة “خاتم النبيين” في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فقد وجد في الأمة الإسلامية في هذا العصر من يدَّعي النبوة، ومن أولئك القاديانية أو ما يعرف بالجماعة الأحمدية[68].

وعادة تتدرج تصرفات المدّعي بالنبوة من ادِّعَاء بالمهدي المنتظر، ثم بالمسيح الموعود، وأخيرا بالدِّعَاء النبوة. وهذا بطبيعة الحال يُعَدُّ من الفكر المتطرف والجهل من النصوص الدينية التي توضِّح لكل ذي بصيرة، وعقل صريح وقلب سليم، أنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن سلسلة الأنبياء قد انتهت به. وفي هذا ينتقد الإمام أبو منصور الماتريدي عقيدة الشيعة الإسماعيلية الباطنية في النبوة الذي يزعمون أن الوحى مستمر، يقول الإمام أبو منصور الماتريدي في تفسير قوله: وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (الأحزاب: 40) “أى ختم به الرسالة لا نبي بعده. وقوله: وخاتم النبيين، جائز أن يكون ذكره وإخباره (أنه خاتم النبيين) لما علم جل وعلا أنه يسمى غيره بعده نبيا على ما يقوله الباطنية: “إن قائم الزمان هو نبي، فأخبر بهذا أن من ادعى ذلك لا يطالب بالحجة والدلالة، ولكنه يكذب[69]. والباطنية تمثل إمتدادا لغلاة الشيعة الذين لم يقتصروا على القول بأن عليا رضي الله عنه أفضل الخلق بعد رسول الله e، بل نجدهم يدّعون أنه في منـزلة النبوة[70].

وفي موضع آخر، يرد الإمام أبو المعين النسفي المدّعي للنبوة من غلاة الشيعة قائلا: “قال أهل السنة والجماعة: لا نبي بعد نبيينا محمد صلى الله عليه وسلم فمن قال: بعد نبيينا نبي فإنه يكفر، لأنه أنكر النص وهو قوله: (وخاتم النبيين)[71].

وتعني بعالمية الرسالة المحمدية أن رسالة النبي أى دين الإسلام دين البشرية جمعاء- فهذا الدين للناس جميعا، والنبي محمد آخر النبوة والرسالة، ورسالته جاءت لهداية الناس على اختلاف أنواعهم في الأجناس، والألوان، واللغات، والعادات، والتقاليد في أي نقطة من هذه الأرض. وقد كثرت الآيات القرآنية الدالة على عالمية الرسالةقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء: 107)[72]. وقد توسّع الإمام أبو منصور الماتريدي في تأويل هذه الآية، حيث جعل الرحمة شاملة على جميع الرسل والكتب المنزلة عليهم، حيث قال: “جائز أن يكون كل رسل الله رحمة للعالمين، وكذلك كل كتب الله رحمة للعالمين، على ما ذكر في عيسى: وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (مريم: 21). وجائز أن يكون ذلك لرسول الله صلوات الله خاصة ... والعالمين: هم الجن والإنس لأنه بعث إليهم، ثم الرحمة فيه يحتمل وجوها، أحدها تأخير العذاب عنهم. والثاني أنه رحمة حتى إذا اتبعوه يكون به نجاتهم، وبه عزهم في الدنيا والآخرة. والثالث شفاعته لأهل الكبائر في الآخرة ونحو ذلك”[73].

وقد علق الإمام أبو منصور الماتريدي الآية: (وما كان الله ليعَذِّبَهمْ وَأنت فيهِمْ) بأنه: “يحتمل قوله: (وأنت فيهم)، أى في جملة المؤمنين، أنه لا يعذب أحدا في الدنيا ما دام هو (النبي) فيهم، وما دام مؤمن فيهم، بقوله (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون، أى يؤمنون. وهو كما ذكر أنه أرسله رحمة، بقوله: وما أرسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِين (الأنبياء: 107). ومن رحمته أن لا يعذب أحدا من أمته في الدنيا، إنما يؤخر ذلك إلى يوم التناد ... ويحتمل أن يكون قوله (وأنت فيهم) في أهل مكة خاصة، أنه لا يعذبهم مادام هو (النبي) فيهم، وما دام فيهم أحد من المسملين”[74].

وقد استطرد الإمام أبو منصور الماتريدي في بيان هذا المقصد، وذلك في تفسيره قول الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (الأعراف: 158). فهذه الآية تدل دلالة واضحة أن رسول الله كان مبعوثا إلى الناس كافة، حيث روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: “بعثت إلى الأحمر والأسود”[75]. وأما سائر الأنبياء فبعثوا إلى أقوام خاصة، وإلى البلدان والقرى المعروفة المحدودة، وذلك من عظيم آيات نبوته ورسالته. وقوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (الفرقان: 1). أى القرآن الذي أنزله على عبده يكون نذيرا لمن ذكر، ويحتمل ليكون محمد بالقرآن الذي أنزل عليه، وقوله (للعالمين) يراد به الإنس والجن. وقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيْرًا 
(سبأ: 28). وقوله (بشيرا) أى بالجنة لمن اتبعه، (نذيرا) أى بالنار لمن خالفه وعصاه. وقوله (إلا كافة للناس) أى ما أرسلناك إلا إلى الناس جميعا، إلى العرب والعجم وإلى الجن والإنس، ليس كسائر الأنبياء، إنما أرسلوا إلى قوم دون قوم وإلى بلدة دون بلدة[76].

فجميع هذه الآيات عبرت بصيغة العام، وهو اللفظ المستغرِق لجميع أفراده أو لكل ما يصلح له بلا حصر. حيث بعث الله الرسل والأنبياء للمقاصد السامية وهي هداية البشرية لطريق السعادة في الدنيا والآخرة، وتبشيرهم بما يرجون من الجنة، وتنذيرهم مما يخشون من النار. وفي هذا يقول الإمام أبو منصور الماتريدي في (كتاب التوحيد): “إرسال الرسل معونة لهم وإرشاد ... مع ما فيه تذكير وتنبيه وتحذير لوجه التقصير”[77]. وعلى هذا يقول الله: أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنَّنِى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (هود: 2). أى من الله ينذر من ينذر ومن عنده يبشر من يبشر. يبشر من اتبع، وينذر من خالف[78].   

وبهذا الصدد، تظهر عالمية الرسالة المحمدية في سمو تشريعاته وعموم خطاباته، وعلى سبيل المثال كلمات “يا أيها الناس” وهي أمر عام لكل الناس تم ذكرها في القرآن عشرون مرة، مثل قوله تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰحِدَةٍۢ (النساء: 1). وعلل الإمام أبو منصور الماتريدي قوله (ياأيها الناس اتقوا ربكم) بأنه في كل ما كان الخطاب للكفرة ذكر الله سبحانه وتعالى على إثره حجج وحدانيته، ودلائل ربوبيته، لأنهم لم يعرفوا ربهم. وكقوله تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 21). وقوله: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا (فطر: 5). ونحوه كثير ذكر الحجج والدلائل التي بها يوصل إلى معرفة الصانع وتوحيده، لينظروا فيها وليتفكروا، فيعرفوا بها خالقهم وإلههم.

وأما في كل ما كان الخطاب للمؤمنين فلم يذكر حجج الوحدانية، ولا دلائل الربوبية، لأنهم قد عرفوا ربهم قبل الخطاب، ولكن ذكر على إثره نعمه التي أنعمها عليهم، وثوابه الذي وعد لهم، نحو قوله: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ ۚ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا (آل عمران: 102، 103). وقوله: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِۦ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِۦ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (الحديد: 28)[79].

فواضح من الخطاب في الآيات بلفظ (ياأيها الناس) عام لكل الناس على اختلاف ألوانها ولغاتها، وأجناسها. حيث لم تناد بقومية أو الهوية القومية الوطنية (Nationalism)، أو القومية العرقية/الإثنية (Ethnic Nationalism)، بل نادى عموم البشرية، ولا تخص شعبا دون شعب، ولا بلدا دون البلدان.

وفي السنة النبوية أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الدالة على العالمية: عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصِرْت بالرُّعْب وأحِلَّت لى الغنائم وجعلت ليَ الأرضُ طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بِىَ النبيون” (صحيح مسلم، رقم: 1195). وكان سهل بن حنيف، وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما. فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، أى من أهل الذمة. فقالا: “إن النبى مرت به جنازة، فقام. فقيل له: إنها جنازة يهودى. فقال: أليست نفسا” (صحيح البخاري، رقم: 1312).

ولا ننسى أيضا بأن المقصِد الأسمى لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم هو نشر الفضيلة، ومعالي الأخلاق السامية ومحاسنها بين الناس سواء كان فردا أم أسرة، أم جماعة أم مجتمعا بأسره. وتلك هي أخلاق الصدق، والأمانة، والعدل، والرحمة،، والحلم، والشجاعة، والتواضع، والكرم، والحياء، والزهد وغيرها. وفي ذلك صرَّح الرسول قائلا: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (السنن الكبرى، البيهقي، رقم: 20571). وفي رواية أخرى يقول: “إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ” (مسند أحمد، رقم: 9187). والحديث يدل على أن الأخلاق السامية مطلوبة في كل أديان، لأنها تشترك فيها الأديان السماوية، وجاء النبي مكملا لتلك الأخلاق، ومن هذا المنطلق، كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا حيًّا للأخلاق العالية الرفيعة. وفي هذا يرى الإمام أبو المعين النسفي بأن ما كان من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم كثير جدا يتعذر إحصاؤه، ويفوت الوسع والطرف تعداده. وفي الجملة كان صلى الله عليه وسلم في حلمه ووفائه وزهده وسخائه وأمانته وسداده، وشجاته وعفافه وصادق في صبره، وذكاء فهمه وقلة تلونه، وبارع حفظه، وغيره”[80].

وقد قرر الله تعالى هذه الخصوصية لنبيه صلى الله عليه وسلم قائلا: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4). وهذا المقصِد بينه الإمام أبو منصور الماتريدي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلِّف معاملة أعداء الله تعالى، ومعاملة أولياء الله وأنصاره، وكلِّف أن يرفض الدنيا ويتزهَّد فيها، وكلِّف معاملة الصغير والكبير، والعالم والجاهل، والجن والإنس، وكلِّف معاملة نسائه. ومن كلِّف المعاملة مع هؤلاء لم يقم لها إلا بخلق عظيم. فرزقه الله تعالى خلقا عظيما حتى احتمل المعاملة وقام معهم بحسن العِشْرَة، وحتى عوتب على عظيم خلقه بقوله: عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ (التوبة: 43). وبقوله: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَ (التحريم: 1). وقال: فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمْ (الكهف: 6). وقال: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَٰتٍ (فاطر: 8). فالذي حمله على هذه المشقة، والكلفة العظيمة، حسن خلقه، وفضل شفقته ورحمته. فعِظَم خلقه أن خلقه جاوز قوى نفسه حتى ضعفت نفسه عن احتماله وكادت تهلك فيه. وغيره من الخلائق تقصر أخلاقهم عن قوى أنفسهم، وأنفسهم تحتمل أضعاف ما هم عليه من الخلق، وتضيق أخلاقهم عن ذلك[81].

ورغم ذلك من حسن خلقه، إلا أنه كان يلتزم بالدعاء إلى الله تعالى بأن يحسّن أخلاقه، ويتعوذ من سوء الأخلاق، فتروي لنا عائشة -رضي الله عنها- بأن النبي يقول:”اللهم أحسنت خلقى فأحسن خلقى” (مسند أحمد، رقم: 25124). وعن أبي هريرة أن رسول كان يدعو:”اللهم إنى أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق” (سنن النسائي، رقم: 5488). وعن على بن أبى طالب، أن رسول الله قال: “واهدنى لأحسن الأخلاق، لا يهدى لأحسنها إلا أنت، واصرف عنى سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت” (سنن أبي داود، رقم: 760). بل عدَّ النبي حسن الخلق من كمال الإيمان، إذ قال: “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً” (مسند أحمد، رقم: 7607). والجدير بالذكر أيضا وصية الرسول لأمته، عن جابر أن رسول الله قال: “إن من أحبِّكم إلىَّ، وأقربِكم منىِّ مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغَضكم إلىَّ وأبعدَكم منِّى مجلسا يوم القيامة، الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون”. قالوا يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون، والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: “المتكبرون” (سنن الترمذي، رقم: 2150).

وبالنهاية، فإن الرسالة المحمدية تدعو إلى الرفق دون التطرف، وإلى الترفق دون التشدد، وإلى الإعتدال دون الغلو في الممارسات والأعمال، والعقائد، والأفكار. يقول النبي: “هلك المتنطعون قالها ثلاثا” (صحيح مسلم، رقم: 4823). والمتنطعون هم المبالغون في الأمور. فيبتعد بذلك عن الوسطية والاعتدال، وهما روح الإسلام. يقول النبي: “إن الدين يسر، ولن يشاد الدينَ أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغَدْوَة والرَّوحَة، وشيء من الدُّلْجَة” -صحيح البخاري، رقم: 39-. ويقول: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا” -صحيح البخاري، رقم: 67-. ويقول: “أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة” (صحيح البخاري، رقم: 29). فأوصى النبي بابتعاد الغلو في الدين قائلا: “يا أيها الناس، إياكم والغلوَّ في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوُّ في الدين” (سنن ابن ماجه، رقم: 3144). 

ثالثا: مقصد السمعيات “إثبات الجزاء الأخروي”.

والإيمان بيوم الآخر هو الركن الخامس من أركان الإيمان الستة، وهذا الركن تحدَّث عنه المتكلمون في مبحث خاص باسم “السمعيات”. يقول الإمام سعد الدين التفتازاني عن أهمية السمعيات: “هي المطلب الأعلى، والمقصد الأقصى في أصول الدين، والعروة الوثقى، والعمدة القصوى لأهل الحق واليقين”[82]. وجاء تعريف السمع في (كتاب التوحيد) للإمام أبي منصور الماتريدي: “السمع ما جاء به القرآن وسائر كتب الله”[83]. وتُعرف (السمعيات) أيضا باسم آخر وهو الغيبيات، لأنها غائبة عن مدركات العقل. فيجب الإيمان يه والتسليم بما جاء في القرآن والسنة أو بكل ما أخبر به الرسول وصح به النقل عنه. وقال الله تعالى: ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ (البقرة: 3). وجاء تفسير الآية في كتاب (تأويل القرآن): “يؤمنون بغيب القرآن، وبما يخبرهم القرآن من الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والبعث، والجنة والنار، والإيمان إنما يكون بالغيب لأنه تصديق، والتصديق والتكذيب إنما يكونان عن الخبر، والخبر يكون عن غيب، لا عن مشاهدة”[84]. وفي تفسير (أنوار القرآن وأسرار الفرقان) يقول الإمام الملا علي القاري: “أى يصدقون بما غاب عن أعين العباد مما أخبره الله به من أحوال المبدأ والمعاد”[85].

ومن مسائل السمعيات سؤال منكر ونكير، وعذاب القبر ونعيمه، ومستقر الأرواح، وبعث الأجساد، والميزان والصراط، والرؤية، والشفاعة، والجنة والنار[86].

وينص الإمام الكمال ابن همام في كتابه (المسايرات في علم الكلام) ضرورة الإيمان بالحشر لورودهما عن الله ورسوله، قال الله تعالى: كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍۢ نُّعِيدُهُ (الأنبياء: 124). وقال تعالى:  أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ (القيامة: 40). وقال الله تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍۢ وَٰحِدَةٍ (لقمان: 28). وقال الله تعالى: اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ (النساء: 87). وقال الله تعالى: وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (آل عمران: 158). “وتكرر كثيرا حتى صار مما علم بالضرورة، وانعقد الإجماع على كفر من أنكرهما”[87].

وإذا تحدثنا عن مرتكز مقاصد العقيدة في السمعيات، فوجدنا أن مقصِدها هو “إثبات الجزاء الأخروي”، وقد عبر عنه الإمام أبو منصور الماتريدي هذا المقصد قائلا: “لولا الآخرة ودار الجزاءِ، لم يكن لخلق شيء من ذلك حكمة نعقلها نحن”[88]. وذلك أن اللَّه تعالى خلق هذه الدار لمِحْنة أَهلها، وجعل لهم دارًا يجزيهم فيها، مما لولا هي لكان يكون خلق هذه الدار بما فيها عبثًا؛ إذ يكون خلق الخلق للفناءِ بلا عواقب لهم، وذلك عبث في العقول؛ لأن كل شارع -فيما لا عاقبة له- عابث، وفيما لا يُريد معنى يكون في العقل هازلٌ؛ ولذلك قال: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (المؤمنون: 15). فإذا كان كذلك صارت هذه الدار دليل الأخرى؛ فعلى ذلك ضرب للأخرى مثلًا بالمعروف من هذه؛ إذ بهذه عرفت تلك؛ ولهذا خلق اللَّه الممتَحنين بحيث يأْلمون ويتلذذون؛ ليعرفوا قدر الآلام التي بها أوعدوا، واللذات التي فيها رغبوا”[89].

وعلى صعيد آخر فرّق الإمام أبو منصور الماتريدي بين دار المحنة ودار الجزاءِ؛ إذ الجمع بينهما يزيل البلوى، ويكشف الغطاءَ؛ فجعل اللذيذَ الذي لا راحة فيه، والمؤلمَ الذي لا تنغيص فيه - جزاءً، والتردد بينهما محنة[90].

ومن هنا يتجلى المقصِد العقدي للسمعيات وهو إثبات الجزاء الأخروي، وذلك لأن الدار الآخرة نهاية المطاف أى المحطة الأخيرة لكلّ إنسانٍ هي وقوفه بين يديّ ربه؛ ليحاسبه على الأعمال التي قام بها، يقول الإمام ابي منصور الماتريدي: “أن الجزاء هو لما يُخْتمُ عليه”[91].

وهذا المقصِد تحدَّث عنه القرآن في عدة آيات. حيث إن الإنسان يوم الآخرة يقف بين يدي الله ولا يستطيع أن يكذب وينكر، ولا يدلس ويخدع، ويحدثنا الإمام أبو منصور الماتريدي عن هذه الأحوال في تفسير قوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (يس: 65). “أى نطبع على أفواهم فلا يتكلمون، عند ذلك يأذن الله سائر جوارحهم وأركانهم بالنطق والشهادة عليهم بما علموا”[92]. بل يوم أن يتخلى عنا أقرب الأقربين، قال الله: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (عبس: 34، 37). “أفضي إلى كل إنسان ما يشغله عن غيره”[93]. قال الله: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ (فاطر: 18). فكل أحد يُجزَى بعمله، لا بعمل غيره، “كان -الناس- ينصر بعضهم بعضا في الدنيا إذا أصابهم شيء، ويفدي بعضهم عن بعض، ويشفع بعضهم بعضا، كان يحتالون مثل هذه الحيل، في الدنيا ليدفعوا عن المتصلين بهم الضرر، فأخبر أن ليس لهم ذلك في الآخرة”[94].

وهكذا يثبت قانون الجزاء الأخروي أنه ليس لنفس أن تحمل ذنب نفس أخرى، لأن كل واحد يقف أمام الله مشغول بحاله، ومسؤول بأفعاله وأعماله طول حياته في الدنيا. فيقدم الله تعالى الثواب والمكافآت لجميع الأعمال البشرية. قال الله: وَجَزاَءُ سَيِّئَةٍۢ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ (الشوری: 40) وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيد (فصلت: 46). يقول الإمام أبو منصور الماتريدي: “فلأنفسهم يعملون ما يعملون من الخير والطاعة، وعليهم ما يعملون من الشر”[95]. إذن فالجزاء الأخروي وتحصيله هو مقصد السمعيات، وهو الغاية الكبرى للإعتقاد، والمقصد الأسمى للعمل  في الدنيا. 

وستظهر يوم القيامة أوراق مفتوحة من السجلات لما فعله الإنسان بالتفصيل من يوم لآخر، ومن أسبوع لآخر، ومن سنة إلى أخرى طول السنين. وسيتم التساؤل حول مختلف الأمانات الممنوحة، مثل أمانة الأولاد، والأموال، والمناصب وغيرها، وما إذا كان أنه ينفذ الأمانة قدر الإمكان دون التقليل من الحقوق الواردة في الأمانة على أقل تقدير. يقول الله: وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلْزَمْنَٰهُ طَٰٓئِرَهُۥ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (الاسراء: ۱۳). ويفسر الإمام أبو منصور الماتريدي معنى (طائره) وأن له معان منها الأول: شقاوته، وسعادته، ورزقه، وعيشه. والثاني: علمه الذي عمل من خير أو شر. والثالث: حظه ونصيبه من عمله وهو جزاؤه ونحو ذلك. فلذلك كله يرجع إلى معنى واحد، لأنه إنما يسعد ويشقى بعمله الذي يعمله، وكذلك جزاء عمله[96].

وجعل الإسلام السؤال الأخروي فرديا، إذ يقف كل إنسان بمفرده أمام ملكين منكر ونكير، يقول أبو إسحاق الصفار البخاري 
(تــ 534هــ): “والسؤال بعد الموت حق، وهو سؤال منكر ونكير وهما ملكان يسألان العبد عن الله تعالى ورسوله”[97]. وهذا السؤال كما أخبرنا الرسول أنه ما من عبد يوم القيامة إلا وسيسأل عن أربعة أسئلة، عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه. وجاء نص الحديث: (“لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم” (سنن الترمذي، رقم: 2601). وفي ذلك يقول الله: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر:92، 93). يقول الإمام أبو منصور الماتريدي: “السؤال للخلائق كلها، كما قال الله تعالى: فَلَنَسْـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـَٔلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ -الأعراف: 6-. أخبر أنه يسألهم جميعا: الرسل عن تبليغ الرسالة، والذي أرسل إليهم عن الإجابة لهم”[98].

وأحاديث أخرى تبين الحساب يوم القيامة، قال النبي: “إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شىء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدى من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك” (سنن الترمذي، رقم: 415).

واضح من الحديث أن أوّل ما يسأل عنه العبد يوم القيامة صلاته، فإن كانت مقبولة من العبد نُظر في الباقي من أعماله، وإن لم تُقبل منه لم يُنظر في عمله الباقي، وهي من الفروض التي تؤدّى خمس مرّات في اليوم والليلة، وهي العبادة التي فرضها الله على عباده بعد الإيمان به، وما نقص في صلاة الفرض فصلاة النافلة تكملها. إذن فإن الله لا يختبر معلومات العباد عن تفاصيل المسائل الإعتقادية، ولكن الله يحاسب إيمان عباده الذي هو التصديق بالقلب، بالإضافة إلى أعماله، فيقدر الله السلوك والمعاملات والأخلاق. 

ومما يستحقّ الذكر ونحن نتحدث عن مقصد السمعيات هو أن الأعمال تؤهل الإنسان لنيل منازل الجنة ومستوياتها، وفقا لأعمالهم وممارساتهم العبودية، ومع ذلك، فإن العبادات لا تضمن لأي شخص الدخول إلى الجنة، حيث إنها ليست ثمنا لها، وإنما يحصل ذلك بفضل الله ورحمته، قال الرسول: “سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وابشروا، فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ” (مسلم، رقم: ٥٠٤٠).

وعلى كل حال، فإن الجزاء الدنوي والأخروي تناول على كل الأعمال الصالحة والسيئة فتعود على العبد في دنياه وآخرته، يقول الله تعالى في عدة آيات، ومنها: مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيد -فصلت: 46-. إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (الکهف: 30). إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا (الإسراء: 7). 

الخاتمة:

وفي نهاية هذا البحث، أقول بضرورة الإهتمام بالعقيدة ومكانتها في التوعية الدينية من خلال التعرف على مرتكزات مقاصد العقيدة بتقسيماتها البحثية إلى ثلاث قضايا رئيسية، وهي مبحث الإلهيات، والنبوات، والسمعيات. وفي البحث حدَّدنا تعريف مقاصد العقيدة بأنها تدور على الأسرار والحكم للمسائل الإعتقادية التي لها غاية، ومغزى، ومدلول، وأنها موضوعة لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة، سواء من حيث جلب المنفعة أو درء المفاسد. 

وبالنظر إلى مقاصد العقيدة فعرضت في هذا البحث آراء وتحليلات الإمام أبي منصور الماتريدي فيما يتعلق بمقصد العقيدة في الإلهيات وهو إثبات وحدانية الله تعالى والعبادة له وحده، وفي مقصد العقيدة في النبوات وهو إثبات الرسل وعالمية الرسالة المحمدية، وفي مقصد السمعيات هو إثبات الجزاء الأخروي، وتبين لنا من نصوص الإمام أبي منصور الماتريدي في تفسيره (تأويل القرآن) أنه أسهم كثيرا في طرح وبلورة الأفكار المقاصدية للعقيدة الإسلامية. 

ومن هذا المنطلق نرجو الأمّة الإسلامية تجاوز بعض الخلافات العقائدية العقيمة كالمجادلات الكلامية التقليدية في المسائل الفرعية للعقيدة مثل الخلافات في دقائق الأسماء والصفات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، حيث أخذت هذه الخلافات طاقة المسلمين ومعاناتهم من ظهور الفتن بينهم، فتنة التضليل والتفسيق والتكفير، بل هذه الخلافات العقائدية كانت سببا أساسيا لازدياد الفرقة بين المسلمين، بل أدّت هذه الخلافات إلى غياب الحكمة والبصيرة في تحصيل المقاصد العقائدية وتفعيلها.

وعلى هذا الصدد، فإنه من الأمر الضروري التركيز على المقاصد العقائدية وليس بالتركيز على المجادلات الكلامية التقليدية. وهذه المقاصِد في النهاية يمنع اشتداد وتيرة الخلافات في تاريخ الجدل العقدي، والمعارك الكلامية العقيمة التي تفسد الود والمحبة بين الأمة الإسلامية وعلمائها. 

 

المصادر والمراجع

أضواء البيان، الشنقيطي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، 1995م.

أنوار القرآن وأسرار الفرقان، الملا علي القاري، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2013م. 

بحر الكلام، أبو المعين النسفي، دار الفتح، عمان-الأردن، 2014م.

تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الغرب الإسلامي، بيروت-لبنان، 2002م.

تأويلات أهل السنة، أبو منصور الماتريدي، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م. 

تبصرة الأدلة في أصول الدين، أبو المعين النسفي، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة-مصر، 2011م.

تلخيص الأدلة لقواعد التوحيد، أبو إسحاق الصفار البخاري، مؤسسة الريان، بيروت-لبنان، 2011م، تحقيق: أنجيليكا برودارسن.

التمهيد، الباقلاني، دار الفكر العربي، القاهرة، تحقيق: محمد عبد الهادي أبو ريدة و محمود محمد الخضري، بدون تاريخ.

تهذهب اللغة، الأزهري، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، 2001.

التوقيف على مهمات التعاريف، عبدو الرؤوف المناوي، عالم الكتب، بيروت-لبنان، 1990م.

جامع البيان في تأويل القرآن، الطبري، مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان، 2000م.

الرسالة المُذهبِة، الوزير يعقوب بن كلّس، دار المسيرة، بيروت-لبنان ، ط1/1988م ، تحقيق : د. عارف تامر. 

سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان، 1985م.

شرح العقائد النسفية، سعد الدين التفتازاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، 2014م.

شرح المقاصد، سعد الدين التفتازني، الطبعة الثانية، تحقيق و تعليق عبد الرحمن عميرة، بيروت: عالم الكتب، 1998م.

العقيدة الإسلامية والقضايا الخلافية عند علماء الكلام، كمال الدين نور الدين مرجوني، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2014م.

القاديانية، عامر النجار، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان، 2005م.

كتاب الإعتصام، أبو إسحاق الشاطبي، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة-مصر.

كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي، دار صادر، بيروت-لبنان، مكتبة الإرشاد، استانبول-تركيا، تحقيق: بكر طوبال أوغلي، محمد آروتشي، 2001م.

كتاب زهر المعاني، الداعي إدريس عماد الدين، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 1991م، تحقيق: مصطفى غالب. 

لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت – لبنان، 1444ه

مختار الصحاح، الرازي، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1995م.

المسايرات في علم الكلام، الكمال بن همام، المطبعة المحمودية التجارية، القاهرة-مصر، 1929م.

مسائل الإعتقاد عند الإمام القرطبي، كمال الدين نور الدين مرجوني، مؤسسة العلياء للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2006م. وأصل الكتاب رسالة الماجستير قدِّمت إلى قسم الفلسفة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، 2002م. وكانت المناقشة في 11/09/2001م.

المستصفى في علم الأصول، الغزالي، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 1413هــ.

معالم التنزيل، البغوي، دار طيبة، الرياض-مملكة العربية السعودية، 1997م.

معاني القرآن، الزجاج، عالم الكتب، بيروت-لبنان، 1988م.

معجم الكمال للمترادفات، كمال الدين نور الدين مرجوني، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2021م.

معجم اللغة العربية المعاصر، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، بيروت-لبنان، 2008م. 

المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1960م.

مفاتح الغيب، فخر الدين الرازي، دار الفكر العربي، بيروت-لبنان، 1981م.

مقاصد العقائد عند الشيخ الطاهر بن عاشور، عبد الرؤوف تاج الدين صوان، رسالة الماجستير قدمت إلى كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، 2017م. 

مقاصد العقائد في القرآن الكريم، محمد محمود أبو الرب، رسالة الماجستير قدمت إلى جامعة آل البيت، الأردن، 2006م.

المقاصد العقدية في القصص القرآني، الزايدي الطويل، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2011م.

من العقيدة إلى مقاصد العقيدة، حميد العساتي، مجلة المدونة، الهند، العدد الثالث عشر، 7/2017م.

موقف الزيدية وأهل السنة من العقيدة الإسماعيلية وفلسفتها، كمال الدين نور الدين مرجوني، دار الكتب العلمية، بيرون، لبنان، 2009م. وأصل الكتاب رسالة الدكتوراه قدَّمتُها إلى قسم الفلسفة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، 2005م. وكانت المناقشة في 26/11/2005م.

نظرية مقاصد الشريعة شيخ الإسلام ابن تيمية وجمهور الأصوليين، عبد الرحمن يوسف القرضاوي، مخطوطة رسالة الماجستير، قدمت إلى قسم الفلسفة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، سنة 2000م. 

 

 


 

[1]  المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بمصر، 2/738 باب (القاف)، دار الدعوة، مصر.

 

[2]  لسان العرب، ابن منظور، 3/353، دار صادر، بيروت – لبنان، 1444ه. تاج العروس، الزبيدي، 1/2201 . تهذهب اللغة، الأزهري، 8/274، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، 2001.

 

[3]  معاني القرآن، الزجاج، 3/192، عالم الكتب، بيروت-لبنان، 1988م.

 

[4]  أضواء البيان، الشنقيطي، 2/335، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، 1995م.

 

[5]  معجم الكمال للمترادفات،  كمال الدين نور الدين مرجوني، 231-232، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2021م.

 

[6]  المرجع نفسه، 268.

 

[7]  المنقذ من الضلال، الغزالي، ص 13، مكتبة العصرية، بيروت-لبنان، 2011م.

 

[8]  من العقيدة إلى مقاصد العقيدة، حميد العساتي، مجلة المدونة، الهند، العدد الثالث عشر، 7/2017م.

 

[9]  المقاصد العقدية في القصص القرآني، د. الزايدي الطويل، ص 23، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2011م.

 

[10]  مقاصد العقائد عند الشيخ الطاهر بن عاشور، عبد الرؤوف تاج الدين صوان، رسالة الماجستير قدمت إلى كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، 2017م. 

 

[11]  مقاصد العقائد في القرآن الكريم، محمد محمود أبو الرب، ص 25، سرال الماجستير قدمت إلى جامعة آل البيت، الأردن، 2006م.

 

[12] يعتبر الإمام الحرمين أبو المعالي الجويني (تــ 478هــ) صاحب اللبنة الأولى في بناء نظرية المقاصد من خلال كتابه (البرهان في أصول الفقه)، ومنه انتقل إلى تلميذه الإمام أبو حامد الغزالي (تــ 505هــ)، فصاغ صياغة أولية لنظرية المقاصد الشرعية في كتابه (شفاء الغليل)، وطورها في كتابه (إحياء علوم الدين)، وأكملها في كتابه (المستصفى)، حيث قال: “ومقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم”. وهي الصياغة التي تلقفها الأصوليون من بعده، وظلوا يكررونها بنفس الأفكار. انظر: المستصفى في علم الأصول، الغزالي، ص 174، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 1413هــ. انظر: نظرية مقاصد الشريعة شيخ الإسلام ابن تيمية وجمهور الأصوليين، عبد الرحمن يوسف القرضاوي، ص 15-73، مخطوطة رسالة الماجستير، قدمت إلى قسم الفلسفة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، سنة 2000م. 

 

[13] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 1/3، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[14]  المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بمصر، 1/531 باب (الصاد)، دار الدعوة، مصر.

 

[15] كلمة “نهى” منتهى، معجم اللغة العربية المعاصر، د. أحمد مختار عمر، 3/2297، عالم الكتب، بيروت-لبنان، 2008م.

 

[16] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 15/173، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[17] سعد الدين التفتازني، شرح المقاصد، 1/163-175، تحقيق و تعليق: عبد الرحمن عميرة، بيروت: عالم الكتب، 1998م.

 

[18] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 1/33،  دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[19] أنوار القرآن وأسرار الفرقان، الملا علي القاري، 1/35، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2013م.

 

[20]  المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بمصر، 2/738 باب (القاف)، دار الدعوة، مصر. وانظر: مختار الصحاح، الرازي، ص 467، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1995م.

 

[21]  كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي، ص 73، ، دار صادر، بيروت-لبنان، مكتبة الإرشاد، استانبول-تركيا، تحقيق: بكر طوبال أوغلي، محمد آروتشي، 2001م.

يرى الإمام أبو منصور الماتريدي بأن مصادر المعرفة الإنسانية تكون في ثلاثة طرق، وهي بالعيان، والأخبار، والنظر، والعيان هنا يراد به المعرفة الحسية، وأهمها الرؤية البصرية بالعين، وأما الأخبار فهي المعرفة السمعية أو النقل، وأما النظر فالمراد به نظر العقل أو المعرفة العقلية. ولكل مصدر من هذه المصادر يختص بإدراك موضوعاته وحدها، فلا يمكن لأحد أن يدرك موضوعات مصدر آخر، فمن أراد أن يدرك مسألة عقلية بالحس فقد أراد محالا، لأنه طلب معرفة ما ليس طريقه الحس بالحس، فهو كمن يريد أن يميز الأصوات بالبصر، وبين الألوان بالسمع، وكذا كل معروف بحس، أحب أن يعقل ذلك غيره، فيقصر عنه عقله، فمثله ما كان طريق العلم به غير الحواس، فأراد الوصول إليه بها، لم يسعه عقله. وأما بخصوص المعرفة الدينية فتعتمد على مصدرين فقط لا غير، وهما: السمع والعقل، وفي ذلك يقول الإمام الماتريدي: “ أصل ما يعرف به الدين ... وجهان: أحدهما السمع والآخر العقل”. كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي، ص 66، ، دار صادر، بيروت-لبنان، مكتبة الإرشاد، استانبول-تركيا، تحقيق: بكر طوبال أوغلي، محمد آروتشي، 2001م.

[22] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 17/182-183، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[23] المرجع نفسه، 14/138-139.

 

[24]  جاء في لسان العرب (لبب) لُبُّ كلِّ شيءٍ ولُبابُه خالِصُه وخِيارُه. وجاء مرادفه في معجم الكمال للمترافات: عقل ، خجى، حصافة، فطنة، دهاء، رصانة، نُهية، كيِّس. انظر: معجم الكمال للمترادفات،  كمال الدين نور الدين مرجوني، 231-232، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2021م.

 

[25] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 2/509، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[26] المرجع نفسه، 4/26.

 

[27] المرجع نفسه، 2/225-226.

 

[28] مفاتح الغيب، فخر الدين الرازي، 28/34، دار الفكر العربي، بيروت-لبنان، 1981م.

 

[29] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 7/126، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[30] المرجع نفسه، 14/156.

 

[31] المرجع نفسه، 5/394.

 

[32] المرجع نفسه، 1/56.

 

[33] المرجع نفسه، 6/138.

 

[34] المرجع نفسه، 16/124.

 

[35] المرجع نفسه، 16/254.

 

[36] المرجع نفسه، 1/474. 

 

[37] المرجع نفسه، 2/151-152.

 

[38]  كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي، ص 89، دار صادر، بيروت-لبنان، مكتبة الإرشاد، استانبول-تركيا، تحقيق: بكر طوبال أوغلي، محمد آروتشي، 2001م.

 

[39] بحر الكلام، أبو المعين النسفي، ص 80، دار الفتح، عمان-الأردن، 2014م.

 

[40]  كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي، ص 478، دار صادر، بيروت-لبنان، مكتبة الإرشاد، استانبول-تركيا، تحقيق: بكر طوبال أوغلي، محمد آروتشي، 2001م.

 

[41] أنوار القرآن وأسرار الفرقان، الملا علي القاري، 5/387، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2013م.

 

[42] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 17/383،  دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[43] بحر الكلام، أبو المعين النسفي،  ص 79، دار الفتح، عمان-الأردن، 2014م.

 

[44]  تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 9/269-270، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م. 

 

[45] أنوار القرآن وأسرار الفرقان، الملا علي القاري، 3/323، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2013م.

 

[46] المسايرات في علم الكلام، الكمال بن همام، ص 22، المطبعة المحمودية التجارية، القاهرة-مصر، 1929م.

 

[47] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 13/288، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[48]  شرح المقاصد، سعد الدين التفتازني، 4/53، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، بيروت: عالم الكتب، 1998م.

 

[49]  كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي، ص 375، دار صادر، بيروت-لبنان، مكتبة الإرشاد، استانبول-تركيا، تحقيق: بكر طوبال أوغلي، محمد آروتشي، 2001م.

 

[50] والجدير بالذكر أن الإمام أبو المعين النسفي الماتريدي أضاف الإقرار باللسان من ركن الإيمان، حيث يقول: “وأما الإيمان: الإقرار باللسان، والتصديق بالقلب بوحدانية الله تعالى”. وأما الأعمال فليست ركنا من الإيمان، وذلك أن الله تعالى قد خاطب باسم الإيمان ثم أوجب الأعمال، فلقد قال تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتّقُونَ) البقرة:-183 ، وهذا دليل التغاير بين الإيمان والأعمال. لأن الإيمان معروف أنه عند أهل اللسان التصديق لا غير، فمن جعله غير التصديق فقد صرف الإسم عن المفهوم في اللغة إلى غير المفهوم ... أيضا أنهم لو جعلوا اسم الإيمان واقعا على مجموع التصديق والإقرار والأعمال كلها، لأوجب ذلك زوال الإيمان بزوال بعض الأعمال أو بزوالها كلها، ولو كانت الأعمال داخلة في الإيمان، كان ينبغي أن لا يصير مؤمنا مالم يأت بالأعمال. تبصرة الأدلة في أصول الدين، أبو المعين النسفي، 2/425، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة-مصر، 2011م.

 

[51] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 3/326، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[52]  المرجع نفسه، 1/31. 

 

[53] أنوار القرآن وأسرار الفرقان، الملا علي القاري، 1/474، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2013م. 

 

[54] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 2/266، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[55] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 10/48-49، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م. 

 

[56]المرجع نفسه، 7/394-495.

 

[57] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 4/72، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[58] المرجع نفسه، 3/309.

 

[59] تبصرة الأدلة في أصول الدين، أبو المعين النسفي، 2/664، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة-مصر، 2011م.

 

[60] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 5/27، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[61] المرجع نفسه، 7/454.

 

[62]  كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي، ص 276-285، دار صادر، بيروت-لبنان، مكتبة الإرشاد، استانبول-تركيا، تحقيق: بكر طوبال أوغلي، محمد آروتشي، 2001م.

 

[63] تبصرة الأدلة في أصول الدين، أبو المعين النسفي، 2/704، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة-مصر، 2011م.

 

[64] المرجع نفسه، 2/741.

 

[65] ونص الحديث بكماله متعدد، منه:

عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “ كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبى خلفه نبى، وإنه لا نبى بعدى، وسيكون خلفاء فيكثرون. قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول، أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم” -صحيح البخاري، رقم: 3455-.

عن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، تخلفني في النساء والصبيان. فقال: “أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي” -صحيح مسلم، رقم: 4419.

عن سعد بن أبى وقاص، قال: قدم معاوية فى بعض حجَّاته فدخل عليه سعد، فذكروا عليا. فنال منه، فغضب سعد. وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله تعالى يقول: “من كنت مولاه فعلى مولاه”. وسمعته يقول: “أنت منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبى بعدى”. وسمعته يقول: “لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله”. -سنن ابن ماجه، رقم: 126-.

[66] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 11/361، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[67] المسايرات في علم الكلام، الكمال بن همام، ص 130، المطبعة المحمودية التجارية، القاهرة-مصر، 1929م.

 

[68]  القاديانية جماعة دينية ظهرت في الهند أيام الاستعمار البريطاني لها، تأسست عام 1889م على يد ميرزا غلام أحمد القادياني (1839- 1908م)، نسبة إلى قرية “قاديان” في مقاطعة البنجاب التي كانت آنذاك جزءا من الهند، قبل أن تصبح ضمن دولة باكستان -حاليا- بعد انفصالها عن الهند عام 1947م. وفي بداية الأمر -أى قبل ادعاء ميرزا غلام أحمد بالنبوة- فإنه ادعى بالمهدي المنتظر والمسيح الموعود. وهذه الطائفة ذات صلة قوية بالإستعمار الإنجليزي بالهند. انظر: القاديانية، د. عامر النجار، ص 13، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان، 2005م.

وجدير بالذكر هنا، أن منكري النبوات في البيئة الإسلامية قد وضعوا جميعا تحت مسمى (البرهمية)، وأن الشهرستاني قد جمع منكري النبوات من الصابئة والبراهمة وغيرهم ممن ينتسبون إلى الإسلام في صعيد واحد . انظر: الشهرستاني ومنهجه النقدي، د. محمد حسيني أبو سعده ، ص 433.

وقد صور الباقلاني رأي البراهمة في النبوات فقال: “وقد افترقت البراهمة على قولين: فمنهم قوم جحدوا الرسل، وزعموا: أنه لا يجوز في حكمة الباري وصفته أن يبعث رسولا إلى خلقه، وأنه لا وجه من ناحيته يصح تلقى الرسالة عن الخالق. وقال الفريق الآخر: إن الله ما أرسل رسولا إلى خلقه سوى آدم وكذبوا كل مدع للنبوة سواه. وقال قوم منهم: بل ما يبعث الله غير إبراهيم وحده، وأنكروا نبوة  من سواه. الباقلاني، التمهيد، ص 104.

[69] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 11/361، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[70] المرجع نفسه، 11/361.

 

[71] بحر الكلام، أبو المعين النسفي، ص 235، دار الفتح، عمان-الأردن، 2014م.

 

[72]أورد الإمام الطبري اختلاف العلماء في معنى الآية، أجميع العالم الذي أرسل إليهم محمد أريد بها مؤمنهم وكافرهم؟ أم أريد بها أهل الإيمان خاصة دون أهل الكفر؟. يرى ابن عباس (تـ 68هـ) -وهو الأصح عند الإمام الطبري- أن الآية عام للمؤمنين والكافرين، حيث من آمن بالله واليوم الآخر كُتب له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله، عوفي مما أصاب الأمم من الخسف، والقذف، فدفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله. وعلى هذا، أن كون الرسول رحمة للعالمين شيء لا يخفى، حيث دفع الله عن المشركين العذاب بسبب وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم. قال الله تعالى: )وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (الأنفال: 33). قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: “لم يعذب الله قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا ويلحق بحيث أمر”. معالم التنزيل، البغوي، 3/353، دار طيبة، الرياض-مملكة العربية السعودية، 1997م. 

ونزلت هذه الآية في أبي جهل حين قال: “اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم” -صحيح البخاري، رقم: 4649، صحيح مسلم، رقم: 7242-. ويرى زيد بن أسلم (تـ 136هـ) أن الآية لأهل الإيمان دون أهل الكفر، لأن المعنى المراد بــ “العالمين”: من آمن به وصدّقه وأطاعه. جامع البيان في تأويل القرآن، الطبري، 18/552-553، مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان، 2000م.

ويتبدى لنا رجحان رأي ابن عباس لصراحة الآية “للعالمين” ودون الحصر بالقول “للمؤمنين”. إذ أن معنى العالم هو الخلق كله أى الدنيا وما فيها من كل صِنف من أَصَناف الخلْق. يقول صاحب التوقيف على مهمات التعاريف بأن العالم: “كل ما سوى الله من الموجودات”. انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، عبدو الرؤوف المناوي، ص 233، عالم الكتب، بيروت-لبنان، 1990م.

[73] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 9/334، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[74] المرجع نفسه، 6/33.

 

[75] نص الحديث بالكامل: “ أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود، وكان النبي إنما يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، ونصرت بالرعب من مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة، فليصل حيث أدركته”. -مسند أحمد، رقم: 14635-.

 

[76] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 6/83، 10/218، 11/429، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[77]كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي، ص 256، دار صادر، بيروت-لبنان، مكتبة الإرشاد، استانبول-تركيا، تحقيق: بكر طوبال أوغلي، محمد آروتشي، 2001م.

 

[78] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 7/126، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[79] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 7/126، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م. 1/7.

 

[80] تبصرة الأدلة في أصول الدين، أبو المعين النسفي، 2/715-716، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة-مصر، 2011م.

 

[81] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 16/10-11، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[82]  شرح المقاصد، سعد الدين التفتازني، 1/155، الطبعة الثانية، تحقيق و تعليق عبد الرحمن عميرة، بيروت: عالم الكتب، 1998م.

 

[83]  كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي، ص 108، دار صادر، بيروت-لبنان، مكتبة الإرشاد، استانبول-تركيا، تحقيق: بكر طوبال أوغلي، محمد آروتشي، 2001م.

 

[84] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 1/31-32، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

[85] أنوار القرآن وأسرار الفرقان، الملا علي القاري، 1/34، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2013م.

 

[86]  راجع كتابنا في الفصل العاشر عن قضية السمعيات عند علماء الكلام واختلافاتهم، ص 560-624، العقيدة الإسلامية والقضايا الخلافية عند علماء الكلام، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2014م.

 

[87] المسايرات في علم الكلام، الكمال بن همام، ص 140-141، المطبعة المحمودية التجارية، القاهرة-مصر، 1929م.

 

[88] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 1/54.

 

[89] المرجع نفسه، 1/54.

 

[90] المرجع نفسه، 1/100.

 

[91] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 3/277.

 

[92] المرجع نفسه، 12/101.

 

[93] المرجع نفسه، 17/62.

 

[94] المرجع نفسه، 12/29.

 

[95] المرجع نفسه، 13/148.

 

[96] المرجع نفسه، 8/239.

 

[97] تلخيص الأدلة لقواعد التوحيد، أبو إسحاق الصفار البخاري، 172-173، مؤسسة الريان، بيروت-لبنان، 2011م. 

 

[98] تأويلات القرآن، أبو منصور الماتريدي، 8/63، دار الميزان، اسطانبول-تركيا، 2005م.

 

معلومات إضافية

المنهج الماتريدي وتحصين الشّباب من التغرُّب
د. محمد جنيد بن محمد نوري الديرشويأستاذ مشارك في تخصّص الفقه الإسلامي وأصولهأكاديمية بلغار الإسلامية، تتارستان- روسيا الاتحادية بسم الله...
أثر العولمة على القيم والأخلاق
د. محمد أمين على محمد عيسىمدرس العقيدة والفلسفةجامعة نور مبارك كازاخستان- سابقاًالقاهرة الحمد لله رب العالمين حمدا لا يبلغ العدّ...
منهج الإمام الماتريدي في آيات الصفات من خلال تفسيره
الدكتور سيف بن علي العصريأستاذ علم الكلام والفقه والقضايا المعاصرة في أكاديمية بلغار الإسلامية الحمد لله المنفرد بالكمالات، المتصف بجميل...

ترك التعليق

ملاحظات

التواصل الاجتماعي

اتصال

هاتف:
بريد إلكتروني:
العنوان:
©2024 All Rights Reserved. This template is made with by Cherry