23.06.2021
1037

الماتريدي والماتريدية في عالمنا المعاصر

الدكتور أحمد سعد الدمنهوري*

أستاذ أول بالأكاديمية الدولية الإسلامية 

وباحث بمركز الإمام الماتريدي الدولي ، أوزبكستان

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ،، فلا يزال تراث الماتريدي والماتريدية غضا، يحتاج إلى من يخرجُ كنوزه، إذ معلوم لدى الدارسين والمتابعين ذاك الأثر الهائل الذي خَلَّفه علم الهدى الماتريدي، وما تركه من أصول وقواعد شيدت مدرسةً أصيلةً، ما زالت تعمل حتى يومنا هذا ..

إشكالية البحث: ستحاول هذه الورقات الإجابة على سؤال الحضور .. ما هو مدى الحضور الماتريدي في عالمنا المعاصر، على المستويات الأكاديمية المتخصصة والمستويات العامة؟ وما أسباب هذا الحضور إذا كان؟

سأحاول في هذه الورقة ذكر نقاط يسلم بعضها إلى بعض.. لنخرج برؤية صحيحة وواقعية قدر الإمكان عن الحضور الماتريدي في عالمنا المعاصر، وذلك في أربع فقرات، بأربعة عناوين، هي: الحقائق الخمس، الحضور الأكاديمي، ورصد أكاديمي بحسب بعض الدول، ثم الماتريدية من الخاص إلى العام.

منهج البحث: سيكون منهجي هو المنهج الوصفي التحليلي؛ لهدف تكوين صورة أقرب إلى الواقع حول موقع المدرسة والمنهج الماتريدي في عالمنا المعاصر.

1)  الحقائق الخمس: يمكننا التأكيد على فاعلية المدرسة الماتريدية وقدرتها على العطاء وعلى حضورها في الوقت نفسه في عالمنا المعاصر من خلال الحقائق الآتية: 

1.1.  الحقيقة الأولى: المدرسة الماتريدية مدرسة أصيلة ترجع بجذورها إلى السلف الصالح، عن طريق الإمام أبي حنيفة رحمه الله عن مشايخه إلى رسول اللهﷺ ، فهي مدرسة موصولة الإسناد، مما يعطي لفهمها لنصوص القرآن والسنة أصالة وثقة، لا يمكن إغفالها في عالم المسلمين اليوم.  فالماتريدي لم يبتدع شيئا، بل هو محرر لمذهب من سبقه من أهل العلم الكبار، أو على حد قول الزبيدي: “وليعلم أن كلا الإمامين أبي الحسن وأبي منصور رضي الله عنهما وجزاهما عن الإسلام خيرًا، لم يبتدعا من عندهما رأيًا، ولم يشتقا مذهبًا، وإنما هما مقرران لمذاهب السلف، مناضلان عما كان عليه أصحاب رسول اللهﷺ، فأحدهما: قام بنصرة نصوص مذهب الشافعي، وما دلت عليه. والثاني: قام بنصرة مذهب أبي حنيفة، وما دلت عليه... فالانتساب إليهما إنما هو باعتبار أن كلا منهما عقد على طريق السلف نطاقا، وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدِي به في تلك المسائل والدلائل يسمى: أشعريا، أو ماتريديا” [2:7-6] ؛ فالماتريدي تلقى الأصول عن أبي حنيفة بواسطة مشايخه، ثم فَرَّع عليها، فنُسب الأحناف إليه بعد ذلك، فعلماء العقائد يسمونهم: الأحناف، بملاحظة المنبع والمصدر، ويسمونهم: الماتريدية، بملاحظة التقرير والتفريع. وهو ما قرره المحققون من القدماء [6:77؛ 9:864، 374] والمعاصرين [11:002-102؛ 72:072] على حد سواء. وإن اتصال سند الماتريدي بالإمام الأعظم لهو من أكبر الأدلة على صحة هذا الانتساب، يقول البياضي فى (إشارات المرام): “وقد رواها - يعني رسائل أبي حنيفة الخمسة فى علم الكلام: (الفقه الأكبر)، و(الأبسط)، و(الرسالة)، و(العالم والمتعلم)، و(الوصية) - الإمام أبومنصور الماتريدي” .. إلى أن قال:  “ولأن الماتريدي مفصل لمذهب الإمام وأصحابِه المُظْهِرِين قبل الأشعري لمذهب أهل السنة، فلم يخل زمان من القائمين بنصرة الدين” [3:32؛ 01: 651-661]. وإذا علمنا أن الإمام الأعظم قد اشتغل بعلم الكلام، وأن أصحابه قد نقلوا آراءه الكلامية؛ فإن آراءه المنقولة تلك ستكون هي معيارنا للحكم بصحة الانتساب إليه أوعدمه. وإننا بالموازنة بين آراء الإمام فى كتبه وما انتهى إليه الماتريدي، نجد أن هناك تطابقا فى نتائج البحث بين ما قرره أبو حنيفة وما انتهى إليه الماتريدي، على ما قرر المحققون من الأئمة ودارسي علم الكلام، يقول الشيخ محمد أبو زهرة: “ولقد قرر الكثير من علماء الحنفية أن النتائج التى وصل إليها - أي الماتريدي- تتفق تمام الاتفاق مع ما قرره أبو حنيفة فى العقائد”[01:461]، كما يقول: “وقد تبين من الموازنات العلمية بين هذه الآراء التى أُثِرَت عن الإمام أبي حنيفة شيخ فقهاء العراق، والآراء التى قررها أبو منصور الماتريدي في كتبه أنها متلاقية فى جملة أصولها، ولذلك قرر العلماء أن آراء أبي حنيفة فى العقائد هي الأصل الذي تفرعت منه آراء الماتريدي” [01: 651، 661]، فإذا أضفنا إلى ذلك تلك الحقيقة التي قررها البزدوي بقوله: “ودلت المسائل المتفرقة عن أصحابنا فى (المبسوط) وغير المبسوط على أنهم لم يميلوا إلى شئ من مذاهب الاعتزال وإلى سائر الأهواء” [17: 150]؛ فإننا سنكون أمام حقيقة علمية مؤكدة وهي أن عقائد الإمام الأعظم هي بعينها عقائد الماتريدي، لكنه حررها وقررها وفرع عليها.

1.2.  الحقيقة الثانية :إننا بنظرة عابرة على المذاهب فى العالم الإسلامي المعاصر، فإن أعيننا لن تخطىء مقدار الحضور الماتريدي فيه، إذ كل حنفي في الفقه هو ماتريدي فى الاعتقاد غالبا، والحنفية فى العالم الإسلامي يتجاوزون ثلث الأمة الإسلامية .. وهذه نسبة غير قليلة.. ويرجع ذلك لما قلناه قريبا من أن هذه العقيدة هي عقيدة السادة الحنفية السابقين على الإمام الماتريدي، وهو ما يزكي الحضور الماتريدي في الفكر والثقافة الإسلامية.. فإذا أضفنا إلى ذلك: اقتراب مذهب الأشاعرة من مذهب الماتريدية، وأن الخلاف بين المذهبين خلاف في فروع عقدية؛ فإن النهضة الفكرية والحركة العلمية في الفكر الماتريدي، ستكون مؤثرة فى النهضة الأشعرية العلمية، والعكس بالعكس؛ مما يُحدث حالة نشاط عامة في الفكر السني.. والأشعرية والماتريدية هما جناحا أهل السنة والجماعة، الذَّيْن يمثلان مانسبته أكثر من 90% من المسلمين فى عالم اليوم.

1.3. الحقيقة الثالثة: الميراث الماتريدي هو الهوية المكونة لعدد من الدول الإسلامية الكبرى المؤثرة في عالم اليوم. وهذه الدول تسعى حثيثا لإحياء تراثها والرجوع لهويتها، بعد فترات الاستعمار والبعد عن الهوية، والغزو الثقافي، كتركيا ودول وسط آسيا، ولدى هذه الدول من العلماء والكوادر من يقدر على إحياء هذه المدرسة، بل لم ينقطع هذا التراث عن دول إسلامية كبرى رغم فترات الضعف العلمي مقارنة بالعهود السابقة كباكستان ومصر، فما زال المذهب الماتريدي حاضرا فى الحياة العلمية المصرية، فى حصن العلم وكعبة العلماء: الأزهر الشريف.  كما أخص هنا دولة أوزبكستان التي تستعيد عافيتها وتتصالح مع هويتها، وسيأتي الحديث عن ذلك.

1.4. الحقيقة الرابعة: أن هناك رغبة جادة من قِبَل المسلمين جميعا فى العودة إلى التراث العلمي لعلمائنا الكبار. لأنه بعد سنوات من الفوضى العلميةِ الحاصلةِ من تَصَدُّر غير المؤهلين ومدعي التجديد والتحديث، باسم السلف تارة، وباسم الحداثة تارة ثانية؛ حصل اليقين لدى كل باحث وعالم جاد أن ما خلفه علماؤنا من فكر وعلم ليس هينا ولا يُستخف به، بل هو تراث عظيم، اكتشفنا -بعد سنوات الفوضى- قوته العلمية..  وفي هذا الصدد يعود طلاب العلم فى العالم الإسلامي السني إلى التراث الأصيل للأشاعرة والماتريدية، شهدنا ذلك من عقود؛ بعد أن ذاقوا ويلات الأفكار الصبيانية التي ليس لها من الرسوخ ما لعلمائنا الكبار؛ كالماتريدي والنسفي وغيرهما، رضي الله عن الجميع. وعودة هؤلاء الطلاب هو عودة للأصول التي افُترى عليها الكذب على مدار عقود .. وإن المتابع للحركة العلمية فى العالم الإسلامي ليشهد نشاطا سنيا ملحوظا. وقد تمثلت تلك العودة في ظهور عدد من المنتديات والمواقع السنية التى تحاول استعادة المكانة اللائقة، بعد استئثار التيار الوهابي بساحة الفضاء الإلكتروني واستغلال عاطفة الشباب ناحية الدين.. وصار الحديث بين طلاب العلم صريحا فى كون التيار الوهابي لا يمثل أهل السنة والجماعة، فهو فى أحسن أحواله تيار من مقلدي الشيخ ابن تيمية بشذوذه فى العقائد، فهو لا يمثل التيار الهادر الأصيل على مدار قرون. وظهرت مدارس علمية تُعنى بتدريس العقائد السنية الأشعرية والماتريدية فى مصر والأردن وغيرها من البلدان العربية والإسلامية التي كان للتيار الوهابي فيها حضورا، ويعلن القائمون على هذه المعاهد العلمية انتمائهم صراحة لأهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية، ومؤكدين أهل السنة مصطلح علمي له “مفهوم” و“ما صدق”، وأن “ما صدق” هذا المصطلح يتمثل في مدرستي الأشاعرة والماتريدية.  وفي هذا الصدد قام الأزهر بعقد مؤتمر “الإمام أبي الحسن الأشعري إمام أهل السنة”، وهو صنو الماتريدي، وذلك ليكون بيانًا للعالم أنَّ العصمة من خطورة التطرف يتمثل في مذهب أهل السنة والجماعة. وقد صدرت أبحاث المؤتمر في موسوعة من مجلدات أربعة، وتعد هذه الموسوعة وثيقة تاريخية مهمة، فهي تقدم وقائع الملتقى العالمي الخامس للرابطة العالمية لخريجي الأزهر الشريف، المنُعقد في القاهرة، في الفترة من 8 إلى 11 مايو 2010، وتضم بحوثًا ودراسات أكاديمية مُحكمة، كتبها مجموعة من كبار علماء العصر، من الشرق والغرب. ورصدت هذه الأبحاث والدراسات في جملتها سيرة الإمام الأشعري وملامح عصره، وتراثه المطبوع والمخطوط، ووسطية عقيدته، وحضوره في تراث الغرب الإسلامي، وقضايا التأويل، والتوازن الفكري، والعقل والنقل، وموقفه من المتشابهات، وفقه السياسة الشرعية، وعقيدته: وأين هي من عقيدة السلف، ومدرسته الصوفية، وأصول التفسير، والمنهجية الأصولية، وملامح التجديد الأصولي عنده، وأثره في التفكير الإسلامي عمومًا، وتوظيف فكره في حياتنا المعاصرة [7]، كما عقد مؤتمر حول الإمام الماتريدي الذي هو صنو الأشعري في أوزبكستان، وسيأتي الحديث عنه لا حقا.

1.5. الحقيقة الخامسة: أن العودة إلى تراث أمتنا لم تعد رغبة إسلامية بل رغبة عالمية؛ نظرا لما حَمَله تراثنا من مشعل أضاءَ الدنيا بالحضارة والعلم، ونَوَّر جنبات العالم بالعقل السليم والفكر المستقيم، الذي شاعت رحمته، وفاءَ تحتَ ظِلاله المسلم وغير المسلم .. وذلك بعد أن عاشت الدنيا ويلات التشدد والتطرف باسم الإسلام، من شباب لم يتنور بنور العلم ولم يسلك طريق الحكمة؛ لبعده عن العلماء الربانيين.

وأخيرا:  أحب أن أؤكد أن التعامل اللائق بتراثنا ينبغي أن يكون بالعودة إلى مناهجه لا مسائله، وكلياته دون الغرق فى جزئياته، ذلك لأن واقعنا المختلف يحتاج لمعالجة تتناسب معه، قياما بواجب الوقت. كما أحب التنويه؛ إلى أن العودة إلى تراث الماتريدية لن يكون لغرض التصدي للتطرف فقط؛ بل لأن صلاح أمتنا وحسن فهمها عن الله تعالى ورسوله ﷺ، واستئناف الحياة الإسلامية الرشيدة، التي يقدم المسلمون فيها للعالم مشعل الحضارة ؛ لن يكون سوى بتقديم أفكار أمثال هؤلاء الأكابر. 

2)  الحضور الأكاديمي: قلنا إن المدرسة الماتريدية لم ينقطع حضورها بين طلاب العلم ولا العلماء على مدار القرون، وإنْ ضَعُف أو تلاشى فى بعض الفترات. وفي واقعنا اليوم -بعد أن تحولت المعاهد العلمية الإسلامية إلى جامعات أكاديمية تتبع النظام الحديث فى الدرس والبحث- استمرت الفعالية الماتريدية فى الوسط الأكاديمي. ويمكننا الإشارة إلى ما يؤكد ذلك من خلال النظر في بعض الدراسات التي تناولت تلك المدرسة، فنكتشف وجود تيارين متباينين، يظهران في التعامل مع التراث الماتريدي ودراسته: 

1.2.  الدراسات المتحاملة .. وهي دراسات تنطلق في الغالب من رؤية وهابية تيمية، فتجعلها معيارا يقاس عليه صحة الآراء والمعتقدات، زاعمة أنها الممثل الوحيد للعقيدة الصافية، ويمكن تصنيف ما صدر عن هذا التيار من دراسات إلى فئتين: 

1.1.2. مؤلفات ناقدة .. وهي تتركز بالأساس فى الجامعات السعودية وما يصدر عن أساتذتها في أقسام العقيدة، أو
 غيرها، ومنها:

1.1.1.2. دراسة “شمس الدين السلفي الأفغاني” التى جاءت بعنوان: (عداء الماتريدية للعقيدة السلفية)، وهي رسالة جامعية، ذكر فيها أن الماتريدية ليسوا من أهل السنة والجماعة، ولا يصح أن يكون الماتريدي إماما لأهل السنة [51:362]، واصفا (تأويلات القرآن)، بأنه: “مكتظ بالبدع والتحريفات والتعطيلات” [51:09]، وأن الماتريدي ليس على السنة [51:082]، ناسبا للماتريدي والماتريدية كل قبيح؛ فهم يعبدون غير الله [51:75]، ويحرفون النصوص المحكمة الواضحة [51:07].

2.1.1.2. دراسات “عبد الرحمن الخميس”، وهو أستاذ جامعي سعودي له عدد من الدراسات المهتمة بهذه المدرسة، أهمها: (أصول الدين عند أبي حنيفة) [5]، والذي عقد فيه فصلا لإثبات أن الماتريدية لا ينسبون لأبي حنيفة، فنسبتهم إليه كنسبة المعتزلة تماما [5:575] وله أيضا: (الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة.. شرح ودراسة) [61]، وله كذلك (منهج الماتريدية في العقيدة) [42]، و(الماتريدية ربيبة الكلابية) [91]، والكتاب الأخير ظاهر من عنوانه، فالماتريدية عنده لا تنسب لأبي حنيفة بل لعبد الله بن سعيد ابن كلاب[1] ، وقد رددت على قوله ذاك في كتابي (سد الثغور بسيرة علم الهدى أبي منصور) بما لا يخرج عن غرض الكتاب [81:371]، ومما أشرت إليه هناك قولى: “ومما هو جدير بالملاحظة أن المؤلف الفاضل قد استقى آراء الإمام الأعظم من كتاب العقيدة الطحاوية – بفهمه هو أو بفهم ابن أبي العز الحنفي حصرا، دون غيره من الأحناف! – ثم إنه يعمد إلى ما يوافق هذا الفهم فى الكتب التي تُنْسَب للإمام، وما يسمي (الأصول المسندة) من كتب العقائد - وهى كتب فى الأحاديث والآثار روت القول والقولين عن أئمة السلف - فينقل منها ما يؤكد فهمه وفهم ابن أبي العز!، فإذا وجد ما يخالف هذا الفهم لديه أو لدى ابن أبي العز الحنفي أو ما فى كتب الآثار هذه، رده لتعارضه مع العقيدة الطحاوية، كما يقول!! وبناء عليه: قرر أن الماتريدية -الذين هم أتباع أبي حنيفة على الحقيقة- ليسوا على عقيدة الإمام الأعظم، وهو منهج عجيب فى البحث، شبيه بمن يدخل إلى البحث بمقرر فكري مسبق يريد إيجاد ما يوافقه!” [81:371]، لكن  الثابت المجمع عليه أن العقيدة الماتريدية: سلفية، والإمام النعمان – كما يقول طاشكبرى زاده - كإبراهيم بين الأنبياء كل يدعي الانتساب إليه [32:141]، فليدِّع المعتزلة أو غيرهم ما يشاؤون، وسيظل الحَكَم: ما نقل عن الإمام وما رواه تلامذته عنه!

3.1.1.2. دراسة “أحمد عوض الحربي”، المعنونة: (الماتريدية دراسة وتقويما) [02]؛ وهي رسالة علمية، ذكر ضمن نتائج بحثه أن توحيد الماتريدية ليس هو التوحيد الذي أنزله الله [02:415]، وأنهم ينفون الصفات الخبرية، بل الصفات الفعلية [02:515]، وفي طول الكتاب وعرضه يَعُد أهل السنة شيئا آخر غير الماتريدية!

2.1.2. مؤلفات راصدة: وهي في الغالب دراسات غير جامعية، لكن لها حضور في الساحة الوهابية، وقد تفاوتت حدة وخروجا عن جادة المنهج العلمي الرصين.. وأشير هنا إلى دراستين لكاتبين سلفيين، رصدا التيار الأشعري المعاصر، وما سيقولانه على الأشاعرة ينطبق على الماتريدية:

1.2.1.2. الأولى، بعنوان: (الدرس العقدي المعاصر : قراءة تحليلية ناقدة للدرس العقدي عند السلفية والأشعرية والشيعة) [41] لـ“عمرو بسيوني”، وهي دراسة وصفية، حاول الكاتب فيه أن يكون موضوعيا، لكنه لم يخرج عن سرديات التوجه السلفي في العموم.

2.2.1.2. الثانية، بعنوان: (النشاط الأشعري المعاصر) [62]، لـ“محمد براء ياسين”، الذي اتهم النشاط الأشعري بقابليته للتوظيف السياسي، وأنه يعادي ابن تيمية .. كأن التوظيف السياسي مكون ذاتي للعقيدة الأشعرية والأشاعرة، وكأنهم يعادون ابن تيمية لشخصه لا لمسائل علمية أخطأ فيها، معتبرا ابن تيمية معيارا للحكم على المذاهب والآراء، كما هي السرديات المكرورة! 

2.2.   الدراسات الموضوعية، وهي الدراسات التى لا تنطلق من رؤية مسبقة لنصرة فكر على آخر جاعلة من الدليل العقلي أو النقلي، رائدا وبرهانا.  وهذه الدراسات الموضوعية، هي الأغلب في شرق العالم الإسلامي وغربه.. ويمكن تصنيف هذه الرسائل والبحوث إلى فئات:

1.2.2. فئة الدراسات الأفقية، وهي التي تناقش مسألة، يقوم الباحث باستقصائها لدى علماء الماتريدية[2]

2.2.2. فئة الدراسات الرأسية، وهي الدراسات التي تدرس عالما بعينه وجهوده وآرائه ومنهجه[3]

3.2.2. فئة الدراسات المقارنة، وهي التي يقوم فيها الدارس بالمقارنة بين المدرسة الماتريدية من خلال علم من أعلامها، أو من خلال الرأي السائد لدى المدرسة مع عالم آخر أو مدرسة أخرى[4].

4.2.2. فئة التحقيق مع الدراسة، وهي التي تتغيا إبراز عمل من أعمال علماء هذه المدرسة، وإخراجه من أدراج المخطوطات إلى عالم الطباعة، مع دراسة بين يدي الكتاب[5]

3)  رصد أكاديميى بحسب الدول: أستعرض الآن واقع المذهب الماتريدي في بعض الدول:

1.3. مصر: اطلعت على إحصائية بالرسائل الجامعية، في الأزهر وغير الأزهر، مع رصد لمؤلفات حديثة تتناول المذهب الماتريدي، وظهر من خلال هذا الإحصاء الذي يمثل استقراء غير تام:

- استحواذ جامعة الأزهر على نصيب الأسد في عدد الرسائل العلمية التي تتناول الماتريدية، بعدد 28 رسالة، بنسبة 15%، وهذا مفهوم في سياق طبيعة الجامعة، وتعدد كلياتها وفروعها في مصر، وإن كانت النسبة قليلة بالنسبة لحجم الدراسات الجامعية فيها، وحجم كلياتها مقارنة بكليات الآداب ودار العلوم بجامعة القاهرة وغيرها؛ إذ كليات الأزهر التى يمكنها دراسة الجانب العقدي أو الفلسفي أو التفسيري لدى الماتريدية يقارب عشرة أضعاف مثيلاتها.

-  جاءت بقية الجامعات المصرية في المرتبة الثانية، بعدد 92 رسالة، أي ما نسبته 81%.

-  ثم جاءت بقية جامعات العالم العربي، بعدد 41 رسالة، بنسبة 9%. 

-  أما الدراسات الحديثة غير الجامعية، فهي 35 دراسة، بنسبة 22%.

وقد لاحظت أثناء النظر فى الدراسات الأزهرية عددا من الملاحظات: 

الأولى: غالب هذه الدراسات حديثة، فما يزيد على 09% منها كان فى العقدين الماضيين. 

الثانية: لم تقتصر هذه الدراسات على الجانب المشهور من المدرسة الماتريدية، أعنى جانب الاعتقاد، بل جاء بعضها لدراسة جهودها التفسيرية أو الفلسفية[6].

الثالثة: الكثير من هذه الدراسات الماتريدية في فرع جامعة الأزهر بالزقازيق[7]، ويرجع ذلك لتوجهات الأساتذة وخبراتهم وعنايتهم[8] ، مع وجود غيرهم في سائر كليات الجامعة[9].

3.2.  العالم العربي:  في الجامعات العربية حضور أكاديمي للدرس الماتريدي، لا سيما في جامعات المملكة العربية السعودية، وهي وإن كانت تتخذ الشكل النقدي؛ لكن هذا التفاعل دليل حضور، وعلامة على حاجتنا لمزيد من الحوار، وقد أشرت إلى بعض الدراسات ضمن الدراسات الناقدة، وفي بلاد المغرب العربي رغم كون البلاد أشعرية تاريخيا، لكن مع نُظُم التعليم الحديثة أتيحت الدراسات المفتوحة للباحثين ووجدنا عناية كذلك بالمذهب الماتريدي، رأيناها فى عدد من الدراسات المعاصرة والتي من أبرزها: 

1.2.3. دراسة بعنوان: (أبو منصور الماتريدي، حياته وآراؤه العقدية)، لـ“بلقاسم الغالي” [1]، وهي دراسة وصفية لا تحقيقية، تجميعية لا نقدية، كما هو حال غالب الدراسات في الجامعات الحديثة، عدا الجامعات الإسلامية الكبرى التى جمعت بين الدراسة الحديثة والحفاظ على روح التحقيق العلمي كالأزهر.

2.2.3. دراسة بعنوان: (أصول الدين من خلال مجموعة شروح الفقه الأكبر)، لـ“الأسعد النجار” [4]، وهي كسابقتها وصفية لا تحقيقية، وهذه الدراسات فى العموم وإن كانت متأثرة بمناهج المستشرقين فى البحث، لكنها مفيدة إذ تعطي للباحث زوايا جديدة من النظر.

 

رسائل جامعة أزهرية

رسائل جامعية غير أزهرية

خارج مصر

دراسات حديثية

 

 3.3. أوزبكستان: وفي أوزبكستان، التي تحوي سمرقند، التي هي موطن الإمام الماتريدي، هناك صحوة مشكورة من قبل المسؤولين الحاليين، حيث تنفس الناس الصعداء بعد زوال الإتحاد السوفياتي، وبدأ الناس يعودون لهويتهم، وينقبون عن حضارة ساهموا في صنعها بعلمائهم الكبار، أمثال الماتريدي؛ إذ تم افتتاح عدد من مراكز البحوث العلمية التي تعمل على إحياء تراث هذا البلد العظيم، حتى صدر قريبا قرار رئيس الدولة بتاريخ 11 أغسطس سنة 0202م حول افتتاح مركز الإمام الماتريدي الدولي للبحوث العلمية، والذي يهتم بدراسة التراث الإسلامي وأصوله وفق أسس علمية. وقد بدأ المركز بداية مبشرة بتعاونه مع مركز الإمام الأشعري التابع لمشيخة الأزهر الشريف، ومع مركز الماتريدي في جامعة سلجوق التركية، ومع معهد الإمام الماتريدي البريطاني، كما يتعاون مع عدة مؤسسات علمية وعلماء وخبراء الماتريدية في  العالم الإسلامي، وأوروبا، ووسط آسيا، وإفريقية، كما كَوّن هيئة علمية من دول عديدة، على رأسها شخصيات إسلامية معروفة لتمثل هذه الهيئة مرجعا ومسدِّدا لعمل المركز [03].

وقد كان ذلك القرار بعد تنظيم مؤتمر الإمام الماتريدي الدولي بعنوان : “الإمام أبو منصور الماتريدي والتعاليم الماتريدية: التاريخ والحاضر” بمدينة سمرقند في  أوزبكستان، حيث ألقى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، الكلمة الرئيسية للمؤتمر الذي عُقد على مدار ثلاثة أيام من 3 إلى 5 مارس 0202، بمشاركة ممثلين للعديد من المؤسسات الإسلامية والجامعات في العالم. وقد طبعت كذلك كلمات وبحوث هذا المؤتمر [8]، والذي أكد فيه شيخ الأزهر على أن مذهب أهل السنة بجناحيه لا يكفر أحدًا من أهل القبلة، والأولى بالمسلمين أن يستوعبوا هذا المذهب بوسطيته لمواجهة التيارات الفكرية المتشددة التي تسعى إلى إعادة إنتاج الأفكار التكفيرية، مؤكدا أننا نعيش الآن في عصر اختلطت فيه الأوراق واضطربت، حتى أصبح هذا الدين الواضح، الذي كان مصدر وحدة المسلمين وقوة لهم جميعًا، مصدر فرقة وتنازع بين الأمة الإسلامية، وأن آفة المسلمين في هذا العصر هي التربص العقدي والمذهبي فيما بينهم، والجرأة على الإكفار في مسائل الخلاف، ودعوى أهل كل مذهب أنهم وحدهم المسلمون، وأن غيرهم كافر أو مبتدع فاسق[10]. وكان من نتائج هذا المؤتمر الهامة إنشاء مركز الإمام الماتريدي الدولي لدي الأكاديمية الإسلامية الدولية في طشقند، والذي تمثلت مهامه فيما يلي: 

-  دراسة التراث العلمي والديني والمعنوي على نطاق واسع للإمام الماتريدي ومدرسته الذين قدموا خدمات نبيلة ثمينة في تطوير علم العقائد وعلم الكلام وعلم التفسير.

-  إبراز الجوانب الإنساية للدين الإسلامي الحنيف ودوره التعليمي والثقافي ودراسة اتجاهات تطوره المبنية على الأسس العلمية وتوصيلها إلى مجتمعاتنا والمجتمع الدولي. 

-  إبراز الخدمات النبيلة والثمينة التي قدمها الإمام الماتريدي ومدرسته من العلماء في تطوير علم الكلام والتفسير، وبحث تطوره بصورة أعمق.

-  جمع تراث علم الكلام للعلماء العباقرة المحفوظة في المكتبات وخزائن المخطوطات داخل وخارج أوزبكستان وتسليمها لجيل المستقبل.

-  تقوية التعاون الدولي في مجال البحث العلمي والعلوم الإسلامية في يومنا هذا وخاصة فى مجال علم الكلام، وطبع النتاج العلمي المتميز[03]. 

4.3.  تركيا: وفي تركيا عناية كبيرة بالمذهب الماتريدي فهو مذهب هذه البلاد تاريخيا، فقد أعيد تحقيق كتاب (التوحيد) وكتاب (تأويلات القرآن) كلاهما لأبي منصور الماتريدي، في العقد الماضي وأقيمت المؤتمرات العلمية، التي كان من أبرزها؛ المؤتمر الدولي الذي نظمته كلية الإلهيات بجامعة مرمرة  بعنوان: “الإمام الماتريدي وتأويلات القرآن”، والذي عقد في نوفمبر سنة 8102م، وقد حضره وفود من كثير من دول العالم الإسلامي. وفي الجامعات التركية التى اتصلتُ بأكاديمييها؛ لا أكون مبالغا إن قلت: إن الأبحاث العلمية الأكاديمية الكلامية فى جميع كليات الإلهيات، فى كافة أنحاء تركيا -وعددها يصل إلى أكثر من سبعين كلية- ينصب غالبه حول المذهب الماتريدي، باعتبار أن هذا البلد بلد ماتريدي بالأساس، وغالبها ينزع منزع التحقيق نظرا لتوفر هذه البلاد على المخطوطات الكبيرة والصغيرة، وكثرة المؤلفين والعلماء الذي عاشوا ووردوا على تلك البلاد، باعتبارها كانت يوما عاصمة الخلافة الإسلامية. 

5.3.  دول الملايو: وفي دول الملايو اهتمام بالمذهب الماتريدي وتأكيد علىى أنه صنو الأشعري وهما معا يمثلان مذهب أهل السنة. وقد أكد الباحث الماليزي الأستاذ الدكتور كمال الدين المرجوني، أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي فى بلاد الملايوي التي تشمل: (أندونيسيا) و(ماليزيا) و(بروناي دار السلام)، معللا ذلك بأنها عقيدة وسطية معتدلة، وأنها في غاية التسامح مع المخالفين [31] وأن العقيدة المعتمدة رسميا وشعبيا هي عقيدة أهل السنة والجماعة، فحيث ذكر أهل السنة والجماعة هناك، فالمراد بهم شعبيا ورسميا الأشاعرة والماتريدية [31]، وهذا ما ينص عليه الدستور، بل في بعض الولايات كولاية (جُوهُر) يزيد الدستور تفصيلا فيحدد أن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية [72]، حتى إن الدولة جعلت اعتقاد أهل السنة والجماعة من شروط تولى الوظيفة الدينية، وبناء عليه فالدستور والقانون يحرم الانتماء أو الدعوة إلى المذهب الشيعي مثلا [72]، وفي البحث مجموعة من الإجراءات التنفيذية التي تعمل على تفعيل هذه القرارات [72:01]. وفي “سلطنة بروناي” نظمت كلية أصول الدين مؤتمرا، في سنة 5102م، بعنوان: “نحو تعزيز العقيدة الإسلامية” أكد المشاركون فيه أن عقيدة الأشاعرة والماتريدية هي عقيدة أهل السنة والجماعة [31:9]. 

6.3. بريطانيا: لقد تعدى الاهتمام الأكاديمي المعاصر إلى خارج العالم الإسلامي، وظهر ذلك في عمل علمي هام يتناول تاريخ علم الكلام، أُعِدَّ من خلال مشروع علمي في جامعة أكسفورد البريطانية، وقامت على تحريره مع المشاركة في إعداده المستشرقة الألمانية “زابينه شميتكه” وهو “عمل بالغ الأهمية من الناحية الأكاديمية، ويمتاز بنظرة شاملة ومعاصرة إلى تاريخ هذا العلم” [22:51]، على حد قول شيخنا العلامة الدكتور حسن الشافعي، في مقدمته التى صدر بها الترجمة العربية، وصدر بعنوان “المرجع فى علم الكلام”؛ والذي شارك فيه سبعة وثلاثون باحثا؛ فجاء فيه مقالات عن الماتريدية منها، مقال: “التراث الكلامي الحنفي والماتريدية” للباحث أولرخ رودولف [22:794]، ومقال: “التفسيرات الأشعرية والماتريدية فى العصرين المملوكي والعثماني” للباحث لويس بيرجر [22:1511].

3.7. ألمانيا: وفي ألمانيا ومعاهدها العلمية اهتمام بالعقيدة الماتريدية، وهناك مختصون في الماتريدية[11] ؛ ومن أمثلة ذلك كتاب طبع على نفقة وزارة الثقافة والأبحاث العلمية التابعة لألمانيا الاتحادية، وهو كتاب (تلخيص الأدلة لقواعد التوحيد)، لأبي إسحاق الصفار البخاري، بتحقيق المستشرقة الألمانية أنجيليكا برودرسن [21]، وهو كتاب ضخم يقع في مجلدين كبيرين.

ففي هذا كله ما يدل على أن هذه المدرسة لا تزال فاعلة على المستوى النظري، كما لا تزال فاعلة على المستوى العملي، وذلك من خلال ما تقدمه من إجابات شافية عن كافة الإشكاليات العقدية التي تواجه شباب اليوم، والتي أرجعتها في بعض بحوثي إلى ثلاث مشكلات رئيسة، هي: مشكلة التطرف، ومشكلة الإلحاد، ومشكلة التخلف العلمي للعالم الإسلامي [12].

4) من الخاص إلى العام!

يقول الفيلسوف الجزائري الملقب بـ“مهندس الحضارات” مالك بن نبي -رحمه الله- : “لن يحدث التقدم إلا إذا صار العلم ثقافة”.. أي تحول كلام المتخصصين إلى قضايا عامة يتداولها الناس فيرتقى الفكر والوجدان، وتعلو اهتمامات الناس عن مجرد النظر للطعام والشراب والشهوات، وبهذا تحصل ميزة الإنسان الذي فضله الله على الحيوان. وقد قُدِّر لي أن أتابع بدايات النهضة الأمريكية الحديثة، من خلال الإطلاع على بعض تراثها فرأيت على قنواتهم التليفزيونية عروضا لجمهور الناس حول أعتى وأقوى وآخر النظريات العلمية الفلكية والفيزيائية، بصورة مبسطة حتى صارت قضيةُ العلم قضيةً اجتماعيةً يتداولها الناس، وليست منحصرةً بين أروقة الجامعات وبين المتخصصين؛ مما أتاح لهم إنشاء وكالات علمية ومراكز بحثية، يمولها المواطن من جيبه الخاص لقناعته بفاعليتها.. وقد عمل وأدار كاتب هذه الأسطر عددا من المعاهد الأهلية المصرية التي تعلن دائما أنها تتبنى مناهج الأزهر الشريف فقها وعقيدة وأخلاقا،
 وكانت تتوجه ببرامجها إلى عموم المثقفين من غير المتخصصين، فكنا ندرسهم متون العقائد التراثية مثل “متن المقدمات” و“متن أم البراهين” للسنوسي، و”متن الطحاوية” للطحاوي، وهي عقيدة حنفية وجميع شراحها من الماتريدية، عدا شرح “ابن أبي العز الحنفي”، الذي جعلها “تيمية”! و“الاقتصاد في الاعتقاد” للغزالي، و“البداية في أصول الدين” للصابوني، في محاولة للاشتباك مع واقع الناس من خلال التراث. كان ذلك في “أكاديمية الإمام الطبري” التي كان يشرف عليها الأزهر الشريف، كما كان في أكاديمية “وحي” وهي مؤسسة تعليمية مستقلة، كما يوجد في مصر فى السنوات الأخيرة مشاريع مشابهة لاستعادة الفاعلية السنية فى أوساط الناس بعد أن تشوهت أفكارهم حين كان يقال لهم: إن عقيدة الأزهر فاسدة! 

قمنا بذلك فى مصر بشكل جزئي حين دَرَّسنا في الأكاديميات والمعاهد الأهلية للشباب وعموم الراغبين كتب العقائد الميسرة، والأمة تحتاج إلى كثير من تلك المعاهد العلمية الأهلية التى يبادر بعملها العلماء وطلاب العلم، لينتشر الوعي بين الناس ولنتجنب أسباب التطرف والتعصب والإلحاد في مهده.  إن ما قمنا به كان بقدر جهدنا الضئيل؛ والذي يمكن القيام بأضعافه؛ لتعليم عموم الناس العقائدَ الإسلاميةَ الراشدة، التى تحميهم من خطر الفهم المغلوط أو الوقوع فى اللبس والخلط، بإعطائهم المناعة الذاتية.

5) توصية: من خلال ما سبق وبناء على اعتقادي الجازم بأن التغيير فى واقع المسلمين لن يحدث إلا بتغيير طرق التفكير ومناهج فهم نصوص القرآن والسنة، وذلك بالعودة إلى ما لدينا من صروح علمية عظيمة للاستفادة من مناهجها الرصينة؛ فإنني أوصي أن تعمم العقائد الماتريدية لتكون ضمن برامج التعليم العام في المدارس والجامعات، ولتكون لعموم الناس في البرامج التليفزيونية؛ لحماية الناس من خطر التطرف والإلحاد معا، بل لا نبالغ إن حلُمنا بتناول هذه الأفكار في الأعمال الدرامية .. 

6) نتائج البحث وأهم الأفكار:

1. الماتريدية مدرسة أصيلة ترجع بجذورها إلى السلف الصالح، عن طريق الإمام أبي حنيفة رحمه الله، عن مشايخه إلى رسول اللهﷺ، فهي مدرسة موصولة الإسناد.

2. لن تخطىء أعيننا مقدار الحضور الماتريدي في العالم الإسلامي، إذ كل حنفي في الفقه هو ماتريدي فى الاعتقاد غالبا، والحنفية فى العالم الإسلامي يتجاوزون ثلث الأمة الإسلامية.

3. الميراث الماتريدي هو جزء من الهوية المكونة لعدد من الدول الإسلامية الكبرى المؤثرة في عالم اليوم. وهذه الدول تسعى حثيثا لإحياء تراثها والرجوع لهويتها.

4. هناك رغبة جادة من قِبَل المسلمين جميعا فى العودة إلى التراث العلمي لعلمائنا الكبار. لا سيما بعد سنوات من الفوضى العلميةِ، باسم السلف تارة، وباسم الحداثة تارة ثانية.

5. العودة إلى تراث أمتنا لم تعد رغبة إسلامية بل رغبة عالمية؛ نظرا لما حَمَله تراثنا من مشعل أضاءَ الدنيا بالحضارة والعلم، ونَوَّر جنبات العالم بالعقل السليم والفكر المستقيم.

6. التعامل اللائق بتراثنا ينبغي أن يكون بالعودة إلى مناهجه لا مسائله، وكلياته دون الغرق فى جزئياته، ذلك لأن واقعنا المختلف يحتاج لمعالجة تتناسب معه.

7. المدرسة الماتريدية لم ينقطع حضورها بين طلاب العلم ولا العلماء على مدار القرون، وإن ضعف أو تلاشى فى بعض الفترات.

8. من خلال استقراء للحالة الماتريدية المعاصرة، في عدد من الدول والمعاهد العلمية؛ نستطيع أن نقول بوجود تيارين متباينين:  الدراسات المتحاملة .. وهي دراسات تنطلق في الغالب من الرؤية الوهابية التيمية، فتجعلها معيارا يقاس له صحة الآراء والمعتقدات.

9. صدر عن هذا التيار عدد من الدراسات التي يمكن تصنيفها إلى فئتين: مؤلفات ناقدة .. وهي تتركز بالأساس فى الجامعات السعودية وما يصدر عن أساتذتها في أقسام العقيدة، أو غيرها. ومؤلفات راصدة: وهي في الغالب دراسات غير جامعية، لكن لها حضور في الساحة الوهابية.

01. أما الدراسات الموضوعية، فهي الدراسات التى لا تنطلق من رؤية مسبقة لنصرة فكر على آخر جاعلة من الدليل العقلي أو النقلي، أو كليهما رائدا، وهي الغالبة.

11. استحوذت جامعة الأزهر على نصيب الأسد في عدد الرسائل العلمية التي تتناول الماتريدية في مصر والعالم العربي. ولوحظ كون غالب هذه الدراسات حديثة، فما يزيد على 09% منها كان فى العقدين الماضيين.  كما لوحظ كون غالبها في فرع جامعة الأزهر بالزقازيق، ويرجع ذلك لتوجهات الأساتذة وخبراتهم وعنايتهم. ولوحظ أنها لم تقتصر على الجانب المشهور من المدرسة
 الماتريدية، جانب الاعتقاد، بل جاء بعضها لدراسة جهودهم 
التفسيرية أو الفلسفية. 

21. يمكن تصنيف هذه الرسائل والبحوث الأكاديمية إلى فئات: أفقية، تناقش قضية أو مسألة، يقوم الباحث باستقصائها لدى علماء الماتريدية. ورأسية، تدرس عالما بعينه وجهوده وآرائه ومنهجه. ومقارنة، يقوم فيها الدارس بالمقارنة بين المدرسة الماتريدية من خلال علم من أعلامها، أو من خلال الرأي السائد لديها مع عالم آخر أو مدرسة أخرى. وفئة التحقيق مع الدراسة، وهي التي تقوم على إبراز عمل علمي من أعمال علماء هذه المدرسة، وإخراجه من أدراج المخطوطات إلى عالم الطباعة، مع دراسة بين يدي الكتاب تعرف بالكاتب وكتابه. 

31. هناك اهتمام تركي كبير بالمذهب الماتريدي باعتباره تاريخيا مذهب البلاد، ويمثل جزءا من هويتها، فغالب الدراسات الكلامية فى كليات الإلهيات تدور حول المذهب الماتريدي.

41. هناك اهتمام حالى في أوزبكستان، باعتباره مذهب البلاد وموطن الماتريدي، حيث عُقد مؤتمر الماتريدي، وأسس مركز 
بحثي باسمه، ويؤكد المسؤولون دائما احترامهم ورغبتهم في إحياء 
هذا التراث وتعميمه.

51. الاهتمام بالمذهب الماتريدي تعدى الدول الماتريدية تاريخيا إلى غيرها، فغالب الدول الإسلامية فى معاهدها العلمية تقول إن مذهب أهل السنة مكون من الأشعرية والماتريدية، وبعضها ينص على هذا فى دساتيره ويشترطه فيمن يتولى المناصب الدينية،
 كدول الملايو.

61. تعدى الاهتمام الأكاديمي بالمذهب الماتريدي العالم الإسلامي، فوجدنا اهتماما من بعض المستشرقين بهذا المذهب في بريطانيا وألمانيا.

71. أوصت الورقة بتحويل العلم إلى ثقافة، والعمل على تحويل علوم المتخصصين لتكون لدى عموم الناس، بتدريس جهود الماتريدية في مدارسنا وجامعاتنا وقنواتنا التليفزيونية، بهدف نشر الوسطية والاعتدال، والهوية الإسلامية.

مراجع البحث:

الكتب والدراسات: 

1. أبو منصور الماتريدي، وآراؤه العقدية، بلقاسم الغالي، تونس: المطابع الموحدة، سنة 9891م. 

2. إتحاف السادة المتقين، مرتضى الزبيدي (ت: 5021هـ)، بيروت: مؤسسة التاريخ العربى، 1994م.

3. إشارات المرام، البياضي (ت: 8901هـ)، ت: محمد زاهد الكوثري، القاهرة: المكتبة الأزهرية.

4. أصول الدين من خلال مجموعة شروح الفقه الأكبر، الأسعد النجار، الرباط: المركز الثقافي العربي، لصالح مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ط1، 5102م.

5. أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة، الدكتور محمد الخميس، السعودية: دار الصميعي، ط1، 6991م.

6. أصول الدين، أبو اليسر البزدوى (ت: 394هـ)، ت: هانز بيتر لنس، القاهرة: المكتبة الأزهرية، 3002م.

7. الإمام أبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة، مركز الأزهر للتأليف والنشر. 

٨. الإمام الماتريدي والتعاليم الماتريدية، دار ما وراء النهر، إدارة مسلمي أوزبكستان. 0202. 

9. تبصرة الأدلة، أبو المعين النسفى (ت: 805هـ)، ت: حسين آتاى، تركيا: رئاسة الشؤون الدينية، 3991م.

01. تاريخ المذاهب الإسلامية، الشيخ محمد أبو زهرة. القاهرة: دار الشروق. 

11. التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور (ت : 3931هـ)، تونس: الدار التونسية للنشر، 4891هـ.

21. تلخيص الأدلة لقواعد التوحيد، لأبي إسحاق الصفار البخاري، ت: أنجيليكا برودرسن، بيروت: المعهد الألماني للدراسات الشرقية، بالتعاون مع جمعية المستشرقين الألمان، ط1، 1102م.

31. جهود الماتريدية في خدمة العقيدة الإسلامية، كمال الدين المرجوني، بحث مقدم لمؤتمر الإمام الماتريدي والتعاليم الماتريدية، أوزبكستان.

41. الدرس العقدي المعاصر: قراءة تحليلية ناقدة للدرس العقدي عند السلفية والأشعرية والشيعة، عمرو بسيوني، بيروت: مركز نماء، ط1، 5102م. 

51. عداء الماتريدية للعقيدة السلفية، شمس الدين الأفغاني، السعودية: مكتبة الصديق، الطائف، ط2، 8991م.

61. الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة. شرح ودراسة، محمد الخميس، السعودية: مكتبة الرشد، ط1، 5102م.

71. الكافي شرح البزدوي، السغناقى (ت714هـ)، ت: فخر الدين قانت، الرياض: مكتبة الرشد، ط1، 1002م.

81. سد الثغور بسيرة علم الهدى أبي منصور، أحمد الدمنهوري، الأردن: دار النور المبين، ط1، 8102م.

91. الماتريدية ربيبة الكلابية، محمد الخميس، الرياض: مكتبة المعارف ، ط1، 5002م.

02. الماتريدية دراسة وتقويما، أحمد عوض الحربي، السعودسة: دار العاصمة، ط1، 3141هـ.

12. المدرسة الماتريدية: كيف يمكن أن تساهم في حل 
مشكلات العالم الإسلامي، أحمد سعد الدمنهوري، بحث ضمن أعمال مؤتمر الإمام الماتريدي والتعاليم الماتريدية، ونشر ضمن أعمال 
المؤتمر. أوزبكستان.

22. المرجع في تاريخ عِلم الكلام، مجموعة مؤلِّفين، ت: أسامة شفيع السيِّد، بيروت: مركز نماء، ط1، 8102م.

32.  مفتاح السعادة، طاش كوبرى زادة، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1985م. 

42. منهج الماتريدية في العقيدة، محمد الخميس، السعودية: دار الوطن، ط1، 3141ه.

52. الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، إشراف مانع بن حماد الجهني، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، ط4، 0241ه. 

62. النشاط الأشعري المعاصر، محمد ياسين، مصر: العربي للدراسات الإنسانية، ط1، 8102م.

72. نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام، د.على سامي النشار، القاهرة: دار السلام، ط1، 8002م.

82. وسطية الماتريدية في تقرير العقيدة الإسلامية وتأثيرها في جنوب شرق آسيا، كمال الدين المرجوني، بحث مقدم لمؤتمر الإمام الماتريدي، جامعة مرمرة.

وثائق ومواقع:

(92)الجرائد والمواقع الحكومية الأوزبكية.

(03) وثائق مركز الإمام الماتريدي.

(13) قاعدة بيانات الرسائل الجامعية في جامعة الأزهر والجامعات المصرية على الانترنت.

 


 

[1].قال هناك “تقدم القول أن الماتريدية وافقوا أهل السنة والجماعة في بعض أصولهم ، وسبق 

بيانها ، لكنهم خالفوهم كذلك في أصول أخرى وقد سبق الكلام عنها كذلك ، فهم كسائر الطوائف الأخرى التي خالفت أهل السنة في أمور، عندهم حق وباطل، لكنهم أبعد عن أهل السنة من الكلابية، فالكلابية كانوا أقرب منهم إلى أهل السنة والجماعة ، وهؤلاء أبعد عن الحق من الكلابية ، لكنهم على كل حال أقل شرا وأخف خطرا من الجهمية والمعتزلة وأشباههم، غير أنه ينبغي الحذر من المسائل التي خالفوا أهل السنة فيها ، وينبغي الاحتياط من دعواهم أنهم أهل السنة والجماعة”. وقد تكررت الفكرة نفسها في:“الموسوعة الميسرة في الفرق والأديان المعاصرة”، الصادرة عن الندوة العالمية للشباب: 1/ 59.

 

[2] مثل: (جهود المدرسة الماتريدية في الرد على المعتزلة)، محمد سالم الشحات، 0002 م، اصول الزقازيق، ماجستير.

 

[3] مثل: (جهود الكمال بن الهمام في علم الكلام)، محمد السيد أحمد شحاتة، 0002 ، أصول الزقازيق، ماجستير. ومثل: (المنهج النقدي عند الأقشهري دراسة تحليلية)، محمد يحي السيد محمود، 7102، أصول الزقازيق، دكتوراه.

 

[4] مثل: (الاستدلال العقلي على مسائل الاعتقاد بين الباقلاني والإمام أبي المعين النسفي دراسة مقارنة)، أحمد سلامة هاشم، 9102، أصول الزقازيق، دكتوراه. ومثل: (صفة التكوين بين الأشاعرة والماتريدية) مصطفى محمود حسين، أصول الزقازيق، ماجستير.

 

[5] مثل: (دراسة وتحقيق عمدة العقائد لأبي البركات النسفي)، إبراهيم عبد الشافي، 7891، دراسات إسلامية القاهرة، ماجستير.

 

[6] منها: (منهج إمام أهل السنة أبي منصور الماتريدي في تفسيره تأويلات أهل السنة)، أحمد سعد عبد الرحمن، أصول القاهرة، 5102 م. دكتوراه. ومنها: (موقف متأخرى الماتريدية من الفلسفة، عرض ونقد)، أحمد أبو طالب، أصول طنطا، 7102، دكتوراه.

 

[7] لجامعة الأزهر فروع كثيرة فى ربوع مصر، وتبلغ عدد كليات الجامعة حوالي 07 كلية، منها 8 كليات لأصول الدين ومثلها وقريب منها للغة العربية، ومثلها وقريب منها للدراسات الإسلامية، ومثلها وقريب منها للشريعة والقانون.

 

[8] من هؤلاء الأستاذ الدكتور عبد الله إسماعيل، من مواليد 6691م، حصل على الماجستير من جامعة الأزهر سنة 4991، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة الاستشراق من ألمانيا سنة 3002م، وحصل على درجة أستاذ مساعد سنة 8102م، وله ما يربو على أربعين كتابا ودراسة حول المدرسة الماتريدية، وله تلامذة يوجههم لدراسة جهود هذه المدرسة وأعلامها.

 

[9] كان شيخنا الدكتور محمد الأنور، ماتريديا، ولشيوخنا الأشاعرة بها عناية؛  كشيخنا الدكتور عبد الفضيل القوصي، وشيخنا الدكتور محيي الدين الصافي، وشيخنا الدكتور طه الدسوقي حبيش، رحم الله الجميع، وكلهم من أعلام أصول الدين بالقاهرة.

 

[10] إشارة إلى التيارت التكفيرية التى خرجت من رحم الوهابية التي تدعي كونها على عقيدة السلف دون غيرها.

 

[11]أخبرني بذلك، المتوفر على تراث الماتريدية، والمعتني به عناية كبيرة الدكتور عبد الله إسماعيل، حفظه الله، وهو ممن له اتصال بالأكاديمية الألمانية، بل حصل على دكتوراه الفلسفة من هناك.

 

معلومات إضافية

أستاذ مشارك في أكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية، العالم الإسلامي الشهير، سعيد مختار عقيلوف توفي بسبب مرض خطير
أظهر سعيد مختار عقيلوف إمكاناته العلمية العالية ومهاراته المهنية خلال مسيرته الفعالة في أكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية، ونال ح الجميع...
نشرت جريدة "الأخبار اليوم" المصرية مقالة حول التعليم في أوزبكستان الجديدة وحماية الصحة والبعد الاجتماعي التي تعتني بها الحكومة تجاه مواطينها
نشرت جريدة "الأخبار اليوم" المصرية مقالة حول الاصلاحات الجارية في جمهورية أوزبكستان المتجددة التي تشمل مجال التعليم وقطاع الصحة والبعد...
2022أكدت الوكالة للمملكة البريطانية "ذي إندبندينت" أن أوزبكستان من أحسن الدول للقيام بالسياحة خلال سنة
نشرة الوكالة البريطانية "ذي إندبندينت" مقالة حول أحسن الأماكن السياحية العالمية خلال سنة 2022 وأشارت أن أوزبكستان أصبحت من هذه...

ترك التعليق

ملاحظات

التواصل الاجتماعي

اتصال

هاتف:
بريد إلكتروني:
العنوان:
©2024 All Rights Reserved. This template is made with by Cherry